منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الموضوعات المسيحية المتكاملة (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=58)
-   -   موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=89550)

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:36 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 

الروح القدس[1]

للقديس أثناسيوس الرسولي




... كان من الطبيعي أني تحدثت أولاً وكتبت عن ابن الله، حتى أنه من معرفتنا عن الابن، يمكن أن تكون لنا معرفة حقيقية عن الروح، لأننا سنجد أن خصوصية الروح نحو الابن، هي مثل خصوصية الابن نحو الآب. وكما يقول الابن " كل ما للآب هو لي" (يو16: 15)، هكذا فإننا سنجد أن كل هذه الأشياء، هي في الروح أيضًا بواسطة الابن.


وكما أعلن الآب عن الابن قائلاً " هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت3: 17)، هكذا الروح هو للابن لأن الرسول يقول: " أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب" (غل4: 6) والأمر الجدير بالملاحظة هو ما قاله الابن: " ما لي فهو للآب" (يو17: 10). هكذا الروح القدس الذي قيل إنه للابن، فهو للآب لأن الابن نفسه يقول: " ومتى جاء المعزي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي" (يو15: 26). وبولس يكتب أيضًا " ليس أحد من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله، ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله" (1كو2: 11، 12). وفي كل الكتاب الإلهي، سوف نجد أن الروح القدس الذي يقال عنه أنه للابن يقال عنه أيضًا أنه لله. وهذا ما كتبناه في الرسائل السابقة.



لذلك، إن كان الابن بسبب خصوصيته مع الآب، وبسبب أنه المولود الذاتي لجوهر الآب فهو ليس مخلوقًا بل من نفس جوهر الآب. وبالمثل فإن الروح القدس لا يمكن أن يكون مخلوقًا بل أن من يقول هذا فهو كافر، وذلك بسبب خصوصيته مع الابن الذي بواسطته، يعطي لجميع البشر، ولأن كل ما له فهو للابن.



هذه الأسباب كافية لأن تقنع كل محب للمشاكسة، بألاّ يستمر في القول بأن روح الله مخلوق، وهو الذي في الله، والذي يفحص أعماق الله، والذي يُعطَي من الآب بواسطة الابن، وحتى لا يضطر نتيجة لهذا أن يدعو الابن أيضًا مخلوقًا الذي هو الكلمة، والحكمة، والرسم، والشعاع، والذي من يراه يرى الآب. وحتى لا يسمع أخيرًا " كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضًا" (1يو2: 23). لأن مثل هذا الإنسان سيصل بعد قليل إلى القول مع الجاهل " ليس إله" (مز14: 1).

ورغم ذلك فلكي يكون برهاننا ضد عديمي التقوى أكثر قبولاً، يكون حسنًا أن نضع في اعتبارنا تلك الأسباب التي تبين أن الابن ليس مخلوقًا، ومنها يتبيّن أيضًا أن الروح ليس مخلوقًا. فالمخلوقات مخلوقة من العدم ولها بداية وجود، لأنه " في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك1:1)، وكل ما فيها. وأما الروح القدس فهو من الله، ويُقال عنه إنه "من الله" كما قال الرسول. ولكن إن كان الابن ليس من العدم بل من الله فمن الطبيعي ألاّ يكون مخلوقًا، وبالضرورة يكون الروح غير مخلوق، لأننا قد اعترفنا أنه من الله. فالمخلوقات هي التي من العدم.



وأيضًا فالروح يدعى ـ وهو كذلك ـ مسحة وختم. إذ يكتب يوحنا " وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم مسحته، روحه، عن كل شئ" (1يو2: 27). وقد كتب في إشعياء " روح الرب علىَّ لأنه مسحنى" (إش61: 1). وأيضًا بولس يكتب " الذي فيه أيضًا إذ آمنتم ختمتم" (أف1: 13). وأيضًا " لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء" (أف4: 30). فالمخلوقات تُمسح وتُختم فيه. ولكن إن كانت المخلوقات تُمسح وتُختم فيه فلا يكون الروح مخلوقًا، لأن الذي يَمسح ليس مثل الذين يُمسَحون. ولأن المِسحة أيضًا هي مِسحة الابن، حتى أن الذي عنده الروح يقول " نحن رائحة المسيح الزكية".

والختم يعطى بصمة الابن، حتى أن المختوم يكون صورة الابن إذ يقول الرسول " يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غلا4: 19). فإذا كان الروح هو رائحة الابن الزكية وصورته، فمن الواضح أن الروح لا يمكن أن يكون مخلوقًا. وكذلك، حيث إن الابن هو صورة الآب، فهو ليس مخلوقًا، وأيضًا لأنه كما أن من يرى الابن يرى الآب، هكذا فمن له الروح القدس، له الابن، وإذ يكون له، فهو هيكل الله، إذ أن بولس يكتب " أما تعلمون أنكم هيكل وأن روح الله يسكن فيكم" (1كو3: 16). ويقول يوحنا " بهذا نعرف أننا نثبت في الله وهو فينا، لأنه قد أعطانا من روحه" (1يو4: 13). وإذا كان الابن في الآب، والآب فيه، ولذلك اعترف أنه ليس مخلوقًا، وإذن فمهما كان الأمر، يستحيل أن يكون الروح القدس مخلوقًا، لأن الابن فيه وهو في الابن، ولذلك فمن يقبل الروح يدعى هيكلاً لله.



وأيضًا فمن المستحسن أن ننظر معًا إلى الأمر في ضوء ما يأتي: إذا كان الابن هو كلمة الله فهو واحد كما أن الآب واحد، لأنه " يوجد إله واحد الذي منه جميع الأشياء... ورب واحد يسوع المسيح" (1كو8: 6). لذلك يُقال ويُكتب عنه إنه "الابن الوحيد"، وأما المخلوقات فهي كثيرة ومتنوعة: ملائكة، رؤساء ملائكة، شاروبيم، رئاسات، سلاطين، وغير ذلك كما سبق أن قلنا. وإذا كان الابن ليس من بين الكثيرين ولكنه واحد، كما أن الآب واحد وهو ليس مخلوقًا فبالضرورة ـ لأنه ينبغي أن نأخذ من الابن معرفتنا عن الروح ـ لا يمكن أن يكون الروح مخلوقًا، لأنه ليس من بين الكثيرين، بل هو نفسه واحد.



4 ـ وهذا ما يعرفه الرسول إذ يقول: " هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء"(1كو12: 11). وبعد قليل أضاف: " لأننا جميعًا بروح واحد أيضًا اعتمدنا إلى داخل جسد واحد... وجميعنا سقينا روحًا واحدًا" (1كو12: 13). وأيضًا، لأنه إن كان يجب أن نأخذ معرفتنا عن الروح من الابن، وإذن فمن الواجب أن نقدّم براهينًا مستمدة منه، فالابن يوجد في كل مكان لأنه كائن في الآب، والآب فيه، وهو يضبط كل الأشياء ويحفظها وقد كتب " فيه يقوم الكل" سواء ما يرى وما لا يرى، " وهو قبل كل شئ" (كو1: 17). ولكن المخلوقات توجد في الأماكن المخصصة لها: الشمس والقمر والأنوار الأخرى في الجلد، والملائكة في السماء والناس على الأرض.


ولكن إذا كان الابن ليس في أماكن مخصصة له، بل هو كائن في الآب ويوجد في كل مكان، وأيضًا هو خارج كل الأشياء، فهو ليس مخلوقًا، ويتبع ذلك أن الروح أيضًا لا يمكن أن يكون مخلوقًا لأنه ليس في أماكن مخصصة له، بل هو يملأ كل الأشياء ويوجد خارج الكل لأنه هكذا قد كُتِب " روح الرب ملأ المسكونة" (حكمة1: 7)، ويرتل داود: " إلى أين أذهب من روحك" (مز138: 7)، كما أنه ليس كائنًا في أى مكان من الأمكنة، بل هو خارج كل الأشياء، وهو في الابن كما أن الابن هو في الآب. لذلك فهو ليس مخلوقًا كما قد تبيّن.

وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن الاعتبارات التالية سوف تثبت إدانة البدعة الآريوسية. ومرة أخرى فإنه من الابن سيتضح ما نعرفه عن الروح. فالابن هو خالق مثل الآب لأنه يقول: " الأشياء التي أرى الآب يعملها، هذه أعملها أنا أيضًا" (انظر يو5: 19). وبالتأكيد " كل شئ به صار، وبدونه لم يكن شئ مما صار" (يو1: 3). ولكن إن كان الابن مثل الآب خالقًا، فهو ليس مخلوقًا. وإذا كانت كل الأشياء به خُلِقت، فهو ليس من بين الأشياء المخلوقة، وعلى ذلك يتبيّن، أن الروح ليس مخلوقًا، لأنه قد كتب عنه في المزمور المئة والثالث: " تنزع روحها فتموت وتعود إلى التراب. ترسل روحك فتخلق[2]، وأنت تجدد وجه الأرض" (مز103: 29و30).


===============================


[1] القديس أثناسيوس الرسولي، الرسائل عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون، ترجمها وأعّد المقدمة والملاحظات د. موريس تاوضروس، ود. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة ثانية منقحة نوفمبر 2005، ص109ـ113.

[2] أي تُخلق المخلوقات.

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:36 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
قوة الصليب

للقديس اثناسيوس



مكتوب في الكتب هكذا .أن نفوسنا أذا كانت مرتبطه بناموس اللة فلن تقوي علينا قوات الظلمة وأن ابتعدنا عن اللة فهى تتسلط علينا . فانت أيها الانسان الذي تريد أن تخلص علم ذاتك ان تسبح في لجة غناء وحكمة اللة , أبسط يديك مثال الصليب لتعبر البحر العظيم , الذي هو هذا الدهر اعني عدم الايمان الزنا النميمة محبة الفضة التي هي أصل لكل الشرور , أما علامة الصليب فهى مبسوطة علي كل الخليقة ....


هوذا موسي رئيس الانبياء لما أبسط يديه قهر عماليق , ودانيال نجا من جب الاسود ويونان من بطن الحوت , وتكله عندما القوها للسباع تخلصت بمثال الصليب , وسوسنة من يد الشيخين , ويهوديت من يد الوفرنيس والثلاثة الفتية القديسين من أتون النار المتقدة . هؤلاء كلهم خلصوا بمثال الصليب وقيل أيضا ليكن مستقرك في موضع واحد الذي هو البيعة . لتتغذي بكلام الكتب ومن الخبز السمائي ومن دم المسيح وتتغذي كل حين من كلام الكتب"



صلاة



إن يداي هما التي تستحقان المسامير لأنها مّدت للخطيه ... لكنك سمّرت بدلا عني...

فيا إلهي .... سمّر حبي فيك ...سمّر إيماني فيك ... سمّر نظري فيك .... سمّر آمالي فيك

سمّرني كي لا أرتفع من فرط الكبرياء، سمّر وداعتك واتضاعك في قلبي ... إن صليبك الغالي هو أجمل هديه منك لي أقبله وأحمله بفرح وإن لم ترسل لي يا حبيبي

صليبا سأبحث لي عن صليب داخلي ، ربما تدريب على احتمال. ربما صوم، ربما سهر

ودراسه، ربما خدمه.. ولكن كل هذا بسرور . يارب ... أعطيني أن أحبك فلا أحب أكثر منك.. وأن أحب صليبك وأكرس حياتي كلها لأجلك

إلهي ... أغرسني فيك غصنا حيا أيها الكرمة الحقيقبة لاثبت فيك الي الابد

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:36 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
لماذا حل الروح القدس على المسيح؟


للقديس أثناسيوس الرسولى[1]



يرد القديس أثناسيوس على تعاليم الآريوسيين الخاطئة الذين ينكرون ألوهية الابن المتجسد حاسبين إياه ضمن المخلوقات، فيوضح التفسير الصحيح للآية: " كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، صولجان استقامة صولجان ملكك، أحببت البر وأبغضت الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك"[2] مبينًا ألوهية السيد المسيح ويعطي شرحًا لثمرة حلول الروح القدس عليه وقت معموديته في الأردن فيقول:



[ انظروا أيها الآريوسيون وميزوا الحقيقة هنا أيضًا. فالمرنم يقول، إننا جميعًا "شركاء" الرب. فلو كان اللوغوس من العدم، وكان هو واحدًا من المخلوقات، لكان هو أيضًا واحدًا من الشركاء. فماذا يجب أن يفهمه الواحد منا، غير أنه آخر غير المخلوقات (مختلف عن المخلوقات)، وإنه هو وحده كلمة الحق، وهو البهاء والحكمة التي تشارك فيه جميع المخلوقات، وهي تتقدس منه بالروح؟ ولذلك فهو هنا " يُمسح " لا لكي يصير إلهًا، لأنه كان إلهًا حتى قبل أن يُمسح، ولا لكي يصير ملكًا، لأنه قد كان هو المالك على الدوام، إذ أنه صورة الله كما يقول الوحي (أنظر 2كو4:4، كو15:1). بل أن هذا أيضًا (أي أنه مُسح) قد كُتب من أجلنا. لأنه عندما كان الملوك ـ أيام إسرائيل ـ يُمسحون، فعندئذٍ فقط كانوا يصيرون ملوكًا، حيث إنهم لم يكونوا ملوكًا قبل مسحهم، وذلك مثل داود وحزقيا ويوشيا وغيرهم. أما مملكة الآب هو نفسه مانح الروح القدس، إلاّ أنه يُقال الآن إنه يُمسح. لكنه كإنسان يُقال عنه إنه يُمسح بالروح وذلك حتى يبني فينا نحن البشر سُكنى الروح وأُلفته تمامًا مثلما وهبنا الرفعة والقيامة. وهذا ما عناه هو نفسه عندما أكد الرب عن نفسه في الإنجيل بحسب يوحنا " أنا قد أرسلتهم إلى العالم ولأجلهم أقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضًا مُقدَّسين في الحق" (يو18:17، 19). وقد أوضح بقوله هذا أنه ليس هو المُقدَّس (تشديد وفتح الدال) بل المُقدِّس (تشديد وكسر الدال). لأنه لم يُقدَّس من آخر بل هو يُقدِّس ذاته، حتى نتقدس نحن في الحق. وهذا الذي يُقدِّس ذاته إنما هو رب التقديس. كيف إذن حدث هذا؟ وماذا يريد أن يقول بهذا سوى إنه: " وأنا الصائر إنسانًا أُقدِّس نفسي (في الآب) لكي يتقدَّس الجميع فيَّ. أنا الذي هو الحق. (لأن " كلمتك هي الحق" يو17:17).

إذن فإن كان يُقدِّس ذاته من أجلنا، وهو يفعل هذا لأنه قد صار إنسانًا، فمن الواضح جدًا أن نزول الروح عليه في الأردن، إنما كان نزولاً علينا نحن بسبب لبسه جسدنا. وهذا لم يصر من أجل ترقيه اللوغوس، بل من أجل تقديسنا من جديد، ولكي نشترك في مسحته، ولكي يُقال عنا " ألستم تعلمون إنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو16:3) فحينما اغتسل الرب في الأردن كإنسان، كنا نحن الذين نغتسل فيه وبواسطته.

وحينما اقتبل الروح، كنا نحن الذين صرنا مقتبلين للروح بواسطته. ولهذا السبب، فهو ليس كهارون، أو داود أو الباقين ـ قد مُسح بالزيت هكذا ـ بل بطريقة مغايرة لجميع الذين هم شركاؤه ـ أي "بزيت الابتهاج" ـ الذي فسر أنه يعني الروح ـ قائلاً بالنبي: " روح الرب علىَّ لأنه مسحني" (إش1:61)، كما قال الرسول أيضًا: " كيف مسحه الله بالروح القدس" (أع38:10). متى قيلت عنه هذه الأشياء ـ إلاّ عندما صار في الجسد واعتمد في الأردن، " ونزل عليه الروح" (مت16:3). وحقًا يقول الرب لتلاميذه إن " الروح سيأخذ مما لي" (يو14:16)، و " أنا أرسله" (يو7:16)، و" اقبلوا الروح القدس" (يو22:20). إلاّ أنه في الواقع، هذا الذي يُعطى للآخرين ككلمة وبهاء الآب يُقال الآن إنه يتقدس وهذا من حيث إنه قد صار إنسانًا، والذي يتقدس هو جسده ذاته.

إذن فمن ذلك (الجسد) قد بدأنا نحن الحصول على المسحة والختم، مثلما يقول يوحنا " أنتم لكم مسحة من القدوس" (1يو20:2). والرسول يقول " ختمتم بروح الموعد القدوس" (أف13:1). ومن ثمَّ فهذه الأقوال هي بسببنا ومن أجلنا، فأي تقدم في الارتقاء، وأي فضيلة أو عمومًا أي أجر عمل للرب، يتضح من هذا؟

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:37 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
لماذا قام المسيح في اليوم الثالث ... للقديس اثناسيوس




أسباب قيامته في اليوم الثالث.



(أولاً) لم تتم قبل ذلك لئلا يشك في أنه مات موتًا حقيقيًا، ولا بعد ذلك

(ثانيًا)لكى يحتفظ بسلامة جسده،

(ثالثًا)لكى لا يعلق نفوس التلاميذ طويلاً،

لكى لا ينتظر حتى يتشتت الذين شهدوا موته أو تتلاشى من الذاكرة حادثة الموت.


1 ـ إذًا فقد كان الموت من أجلنا على الصليب لائقًا وملائمًا. وقد اتضح أن سببه كان معقولاً من جميع الوجوه، ومن الحق أن يقال إنه لم تكن هناك طريقة أخرى يتحقق بها خلاص الجميع سوى الصليب .

لأنه حتى على الصليب فإنه لم يجعل نفسه مختفيًا بل بالحرى فإنه جعل الطبيعة تشهد لحضور خالقها ، وبعد ذلك لم يَدَع هيكل جسده يظل وقتًا طويلا ميتًا، إلاّ بالقدر الذى أظهر فيه أن الجسد مات باحتكاك الموت به، ثم أقامه حالا فى اليوم الثالث، حاملا عدم الفساد وعدم التألم اللذين حصلا لجسده، كعلامة للظفر والانتصار على الموت .


2 ـ ولقد كان يستطيع أن يقيم جسده بعد الموت مباشرة، ويظهره حيًا، ولكن المخلّص بحِكمَة وبُعد نظر لم يفعل هذا لأنه لو كان قد أظهر القيامة فى الحال لكان من المحتمل أن يقول أحدهم إنه لم يمت بالمرة أو إن الموت لم يلمسه بشكل كامل.


3 ـ وربما لو كانت القيامة قد حدثت فى اليوم التالي للموت مباشرة لما ظهر مجد عدم فساد جسده. ولذلك فلكي يتأكد موت الجسد فإن الكلمة أبقاه يومًا آخر، وفى اليوم الثالث أظهره عديمَ الفساد أمام الجميع.


4 ـ إذًا فلكى يتأكد موت الجسد لذلك أقامه في اليوم الثالث .


5 ـ ولكن لو أنه أقام الجسد بعد أن بقى فترة طويلة، وبعد أن يكون قد فسد تمامًا، فقد يُشَك فيه كأنه قد استبدل جسده بجسد أخر. لأن الإنسان بمرور الزمن قد يشك فيما سبق أن رآه، وينسى ما قد حدث فعلاً. لهذا السبب فإن الرب لم ينتظر أكثر من ثلاثة أيام، كما أنه لم يترك الذين سبق فأخبرهم عن القيامة معلقين لفترة طويلة.


6 ـ ولكن بينما كانت أقواله لا تزال ترن فى آذانهم، وكانت عيونهم لا تزال في حالة توقع وعقولهم معلّقة حائرة، وإذ كان الذين قتلوه لا يزالون أحياءً على الأرض وفى نفس المكان، ويمكن أن يشهدوا بموت جسد الرب؛ فإن ابن الله نفسه ـ بعد فترة ثلاثة أيام ـ أظهر جسده الذى كان قد مات غير مائت وعديم الفساد. وقد اتضح للجميع أن الجسد قد مات ليس بسبب أي ضعف فى طبيعة الكلمة الذى اتحد بالجسد، بل لكى يُباد الموت فيه (في الجسد) بقوة المخلّص .

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:37 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
لماذا مات المسيح بالصليب ولم يمت بأى طريقة اخرى للقديس اثناسيوس


ولماذا لم يحفظ جسده من اليهود فيمنع عنه الموت:


الاجابة للقديس اثناسيوس الرسول


(1) لأنه لم يكن يليق به أن يوقع الموت على نفسه أو أن يتجنبه.

(2) لأنه أتى ليقبل الموت المستحق على الآخرين ويموت لينتصر على الموت مُقدمًا قيامته دليلاً على انتصاره الأكيد على الموت. وأيضًا لأنه لم يكن ممكنًا أن يموت من الضعف وهو الذي يشفى الآخرين.


1ـ وقد يقول أحد: كان من الأفضل أن يختفي من مؤامرات اليهود لكى يحفظ جسده كلية من الموت. فليسمع مثل هذا أن ذلك الأمر أيضًا لم يكن لائقًا بالرب. لأنه كما لم يكن لائقًا بكلمة الله وهو الحياة أن يُوقِع الموت على جسده بنفسه، كذلك لم يكن لائقًا أن يهرب من الموت الذى يوقعه الآخرون عليه، بل بالحرى أن يتعقبه حتى يقضى عليه. ولهذا السبب فإنه بطبيعة الحال لم يسلّم جسده من تلقاء نفسه، كما أنه لم يتهرب من مؤامرات اليهود ضده.

2ـ وهذا لم يُظهِر أن الكلمة ضعيف، بل بالحرى بيّن أنه هو المخلّص وهو الحياة، إذ إنه أولاً: انتظر إلى أن يأتيه الموت ليبيده وثانيًا: عندما قُدِّمَ إليه الموت فإنه عجّل بإتمامه لأجل خلاص الجميع.

3ـ وفضلاً عن ذلك فإن المخلّص لم يأتِ لكى يتمم موته هو بل موت البشر ، لذلك لم يضع جسده ليموت بموت خاص به (إذ إنه هو الحياة وليس فيه موت)، بل قَبِل في الجسد ذلك الموت الذى أتاه من البشر لكى يبيد ذلك الموت تمامًا عندما يلتقى به في جسده.

4 ـ وهناك اعتبارات أخرى تجعل المرء يدرك لماذا كان يليق بجسد الرب أن يتمم هذه الغاية. لأن الرب كان مهتمًا بصفة خاصة بقيامة الجسد التى كان مزمعًا أن يتممها، إذ إنها دليل أمام الجميع على انتصاره على الموت ، ولكى يؤكد للكل أنه أزال الفساد، وأنه منح أجسادهم عدم الفساد من ذلك الحين فصاعدًا. وكضمان وبرهان على القيامة المُعَدّة للجميع فقد حفظ جسده بغير فساد.

5 ـ ومرة أخرى نقول لو أن جسده كان قد مات نتيجة تعرضه للمرض وانفصل عنه الكلمة أمام نظر الجميع لكان غير لائق بمن شفى أمراض آخرين أن يترك أداته الخاصة (جسده) أن يموت بسبب المرض. فكيف يُصدّق المرء أنه كان يشفى أمراض الآخرين إن كان هيكله الخاص قد تعرض للمرض؟ لأنه إما أن يُهزَأ به كأنه غير قادر على شفاء الأمراض، أو إن كان قادرًا ولم يفعل شيئًا (لحفظ جسده) فيُظن أنه عديم الشفقة على الآخرين أيضًا

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:38 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
عبارة "غير المخلوق"



والرد للقديس اثناسيوس الرسول



أن أقوالنا هذه تبهج المؤمنين، ولكنها تحزن الهراطقة الذين يرون هرطقتهم وقد دحضت وأبطلت، بهذه الأقوال.

وأيضاً فإن سؤالهم ذلك الذى يقولون فيه




"هل هناك واحد فقط غير مخلوق ( ) أم أثنان؟"



يثبت أن تفكيرهم ليس مستقيماً، بل هو مريب وملئ بالغش والخداع.

فإنهم لا يسألون هذا السؤال من أجل أكرام الآب، بل من أجل أهانة الكلمة.

فلو أن أحد الناس وهو يجهل خبثهم ودهاءهم أجابهم بأن الغير مخلوق هو واحد، ففى الحال ينفثون سمومهم قائلين:

"إذن فالابن ينتمى إلى المخلوقات، وحسناً ما قلناه بأنه لم يكن موجوداً قبل أن يولد، وهكذا فإنهم يخلطون كل الأشياء وبهذا يثيرون الإضطرابات، وذلك لكى يفصلوا الكلمة عن الآب، ويحسبوا الذى هو خالق الكل، أنه من بين مخلوقاته.

أنهم يستحقون الإدانة والتنديد بهم،


أولاً، لأنهم بينما يلومون الأساقفة الذين اجتمعوا فى نيقية(66) بسبب استخدامهم لعبارات ليست من الكتاب المقدس – رغم أنها ليس عبارات مضادة للإيمان بل قد وضعت بهدف فضح كفرهم، فقد وقعوا هم أنفسهم فى نفس الأمر، أى أنهم نطقوا بعبارات ليست من الكتاب المقدس وابتدعوا اهانات ضد الرب، "وهم لا يعرفون ما يقولونه ولا ما يقررونه" (1تيمو7:1).

لذلك فليسألوا إذن، اليونانيين. الذين سبق أن سمعوا منهم ما قالوه (لأنه ليس من الكتب المقدسة بل من اختراعهم) وذلك لكى يسمعوا منهم أيضاً. كم للفظ (غير المخلوق – غير الصائر) من معان عديدة، وعندئذ سيتعلمون أنهم حتى لا يعرفوا أن يسألوا السؤال الصائب، وذلك حتى بخصوص الأشياء التى يتحدثون عنها.

لأنى أنا أيضاً – بسببهم – قد سألت وعرفت،

(عبارة)، غير المخلوق" (غير الصائر)


يقصد بها


ذلك الذى لم يصر له وجود، ولكنه من الممكن أن يصير. وذلك مثل الخشبة التى لم تكن قد صارت سفينة بعد ولكنها من الممكن أن تصير كذلك.


وأيضاً فإن "غير المخلوق" (أو غير الصائر).


هو ذاك الشئ الذى لم يصر بعد، وليس من الممكن أن يصير أبداً، مثل المثلث الذى لا يمكن أن يصير مربعاً أو العدد الزوجى أن يصير فردياً. ذلك لأن المثلث لم يصر قط مربعاً ولا يمكن أن يكونه أبداً، كما لم يحدث قط أن صار العدد الزوجى فردياً ولا يمكن أن يكونه.

وأيضاً يقصد بكلمة "غير الصائر – (غير المخلوق)" ما هو موجود، دون أن يصير من أحد، وليس له والد بالمرة.

وقد أضاف أيضاً أستيريوس(67)السفسطى الخبيث، وهو المدافع عن هذه الهرطقة فى مقالته قائلاً: بأن غير المخلوق – (غير الصائر)، هو الذى لم يخلق (بضم الياء) ولكنه كائن دائماً.

فكان ينبغى إذن حينما يسألون السؤال. أن يضيفوا ما المعنى الذى يفهمون به كلمة "غير المخلوق – (غير الصائر)، حتى أن الذى يسألونه يستطيع أن يجيب الإجابة الصائبة.

- إن كانوا يحسبون أنهم يسألون السؤال الصائب.

بقولهم


"هل هناك واحد فقط غير مخلوق (غير صائر) أم اثنان؟"


فإنهم أولاً سيسمعون الجواب – بإعتبارهم جهلة -، أن الأشياء غير المخلوقة (غير الصائرة) كثيرة، وليس لها وجود. كما أن الأشياء التى يمكن أن تخلق (أن تصير) هى أكثر جداً. وغير الكائن ليس فى إمكانه أن يصير كما سبق أن قيل.

أما إن كانوا يسألون عن نفس الموضوع،

على غرار أستيريوس بأن غير المخلوق (غير الصائر) هو الذى لم يخلق ولكنه كائن دائماً.


فليسمعوا لا مرة واحدة بل مرات كثيرة، بأنه من الممكن أيضاً أن يقال عن الابن، أنه غير مخلوق (غير صائر) بحسب هذا المعنى المقبول عندهم، لأنه لا يحسب بين الأشياء المخلوقة، ولا هو مخلوق بل بالعكس فإنه كائن منذ الأزل مع الآب، كما سبق أن أتضح. وذلك رغم تقلباتهم (أى تقلبات الآريوسيين) الكثيرة، والتى ليس لها من هدف سوى أن يتكلموا ضد الرب قائلين "أنه وجد من العدم"، وأنه "لم يكن موجوداً قبل أن يولد".

وهكذا فبعد أن خذلوا من كل ناحية، فإنهم أخذوا يسألون أيضاً بخصوص ذلك المعنى الذى يكون بمقتضاه "غير المخلوق (غير الصائر) هو ذلك الذى يكون موجوداً، بدون أن يكون مولوداً من أحد، وليس له أب خاص به" فأنهم سيسمعون منا أيضاً أن المقصود "بغير المخلوق" (غير الصائر) هو بهذا المعنى واحد فقط وهو الآب ولن يحصلوا على أى شئ أكثر مما سمعوه.

لأن القول

بأن الله "غير مخلوق" (غير صائر) بهذا المعنى،


لن يبرهن القول بأن الابن مخلوق (صائر).

وفقاً للبراهين السابقة.

إذ يتضح أن الكلمة هو مثل ذاك الذى ولده. وتبعاً لذلك. فإن كان الله غير مخلوق (غير صائر)، فصورته – أى كلمته وحكمته ليس بمخلوق بل هو مولود. لأنه أى مشابهة هناك بين المخلوق (الصائر). وغير المخلوق (غير الصائر)؟ (لأنه ينبغى ألا نكل من تكرار نفس الكلام).

فإن كانوا يريدون أن يجعلوا المخلوق مشابهاً لغير المخلوق فيكون

أن من يرى هذا كمن يرى ذاك، فليس بعيداً عليهم إذن أن يقولوا. أن غير المخلوق هو صورة خلائقه، وبذلك تكون كل الأشياء قد اختلطت فى أذهانهم. وبذلك يساوون بين المخلوقات وغير المخلوق، وهذا يعتبر إلغاء لغير المخلوق وقياسه بقياس المخلوقات. وكل هذا إنما يفعلونه فقط لكى يحطوا من قدر الإبن ويحسبونه فى عداد المخلوقات.

- ولكنى أظن أنهم

لا يرغبون أن يستمروا مداومين على مثل هذه الأقوال، إن كانوا قاً يشايعون أستيريوس السوفسطائى.

فإنه رغم أهتمامه بالدفاع عن الهرطقة الأريوسية بقوله أن غير المخلوق (غير الصائر) هو واحد، فإنه يناقضها مؤكداً أن حكمة الله أيضاً غير مخلوق وليس له بداية وهاك بعض المقاطع مما كتبه:

"لم يقل المغبوط بولس أنه كرز بالمسيح على أنه القوة التى لله والحكمة التى لله(68) ولكنه بدون استعمال أداة تعريف قال، قوة الله وحكمة الله، وهكذا كرز بأن قوة الله الذاتية، التى هى من طبيعته، والكائنة معه أزلياً، إنما هى قوة أخرى".

وبعد قليل أيضاً يقول

"ولكن قوته الأزلية وحكمته التى يوضح منطق الحق إنها حقاً بلا بداية وغير مخلوقة (غير صائرة)، إنما هى واحدة بالتأكيد".

لأنه وإن كان لم يفهم كلمات الرسول فهماً سليماً بظنه أن هناك حكمتان. ولكنه مع ذلك بقبوله القول بحكمة مشاركة معه فى الوجود دائماً، فهو يقول أن غير المخلوق (غير الصائر) ليس واحداً بعد. بل أن هناك غير مخلوق (غير صائر) آخر معه لأن المشارك (بكسر الراء) فى الوجود لا يتشارك فى الوجود مع نفسه بل مع آخر.

ولذلك فليكف أولئك المشايعون لاستيريوس عن التساؤل: "هل غير المخلوق (غير الصائر) واحداً أم اثنان وإلا فإنهم سيصطدمون به فى هذا الأمر ويرتابون فيه.

ومن الناحية الأخرى،

فإن كانوا يقاومونه فى ذلك أيضاً فليكفوا عن الأعتماد على كتابه، لئلا ينهشوا بعضهم بعضاً ويفنوا بعضهم بعضاً.




هذا هو ما قالوه بسبب جهالتهم، وماذا يستطيع أى شخص أن يقول أزاء مكرهم هذا؟ ومن هو الذى لن يكره بحق أولئك المتهوسين إلى هذه الدرجة؟.



فما داموا لا يتجاسرون أن يقولوا صراحة

"أنه من العدم".

وانه "لم يكن موجوداً قبل أن يولد". لذلك أخترعوا لأنفسهم عبارة "غير مخلوق" (غير صائر).

لكى بقولهم عن الابن أنه "مخلوق" (صائر)، وسط السذج البسطاء، فإنهم يقصدون نفس تعبيراتهم السابقة تلك وهى "أنه من العدم" وأنه "لم يكن موجوداً قط قبل أن يولد". لانهم يعنون بهذه العبارات "الأشياء الصائرة والمخلوقة".


- فلو كانت لديهم الثقة فى ما يقولونه،

لكان من الواجب عليهم أن يظلوا ثابتين على موقفهم، ولا يتغيرون بطرق متنوعة، ولكنهم يرفضون ذلك. ظانين أنه يمكنهم أن ينجحوا بسهولة، إذا هم أخفوا هرطقتهم تحت ستار كلمة "غير المخلوق" (غير الصائر)


وفى الواقع فإن لفظة "غير المخلوق" هذه لا تستعمل (عن الله) بالنسبة إلى الابن – ولو أنهم يتذمرون – بل بالنسبة إلى المخلوقات


وهكذا يمكن أن نرى نفس الشئ فى كلمة "ضابط الكل"، وكلمة "رب القوات" فلو أن الآب يضبط ويسود كل الأشياء من خلال الكلمة. والإبن يملك مملكة الآب وتكون له السيادة على الكل. حيث أنه هو كلمة الآب وصورته.


فيكون واضحاُ إذن أن الابن لا يحسب من بين الكل، ولا يسمى الله "ضابط الكل"،


"والرب" بالنسبة إلى الابن، بل بالنسبة إلى المخلوقات التى (تكونت) عن طريق الابن،


وهى تلك التى يضبطها ويسودها بواسطة الكل. وهكذا فإن لفظة "غير مخلوق" لا تستعمل (عن الله) بالنسبة إلى الإبن ولكن بالنسبة إلى المخلوقات التى هى عن طريق الإبن، وأن هذا لصواب، حيث أنه ليس مثل المخلوقات. بل هو خالقها وصانعها بواسطة (من خلال) الإبن. كما أن لفظة "غير مخلوق" تستعمل (عن الله) بالنسبة إلى المخلوقات،

هكذا أيضاً فإن كلمة "الآب" تعلن عن الإبن.


فإن من يسمى الله صانعاً وخالقاً وغير مخلوق. فإنه يرى ويفهم الأشياء المخلوقة والمصنوعة. أما الذى يسمى الله أباً فإنه فى الحال يدرك الإبن ويعرفه. ولذلك فقد يدهش البعض من حبهم للجدال مع عدم تقواهم، لأنه بالرغم من أن لكلمة "غير المخلوق" معنى حسن – سبق أن أشرنا إليه – بحيث يمكن أن نذكر هذه الكلمة بورع وتقوى، أما هم فيتكلمون بها لأجل إهانة الإبن بحسب هرطقتهم، وهم لم يقرأوا، أن الذى يكرم الإبن، إنما هو يكرم الآبن والذى لا يكرم الإبن، إنما هو لا يكرم الآب (يو23:5) لأنهم لو كان لديهم أى أهتمام – على وجه العموم – بتمجيد وتكريم الآب، لكان من واجبهم بالأحرى، أن يعترفوا بأن الله أب ويلقبونه كذلك، بدلاً من أن يسمونه بهذه الطريقة (أى غير المخلوق)، وكان هذا سيكون أفضل وأعظم.

أما أن يسموا الله

"غير المخلوق".


متخذين هذه التسمية من أعماله المخلوقة، كما سبق أن قلنا – وهكذا يلقبونه خالقاً وصانعاً فقط، ظانين أنهم بهذا يستطيعون أن يعتبروا "الكلمة" مخلوقاً حسب أهوائهم. أما الذى يدعو الله أباً، فإنه يسميه هكذا نسبة إلى الإبن بدون أن ينكر أنه ما دام يوجد ابن،

فبالضرورة فإن كل المخلوقات قد خُلقت عن طريق الإبن. وأولئك عندما يسمون الله "غير المخلوق" فإنما يشيرون إليه فقط من جهة نسبته إلى المخلوقات.

وهم بذلك لا يعرفون الابن مثلهم مثل الامميين. أما الذى يدعو الله أباً، فإنه يسميه هكذا نسبة إلى "الكلمة". والذى يعرف "الكلمة". فإنه فى نفس الوقت يعرف أنه الخالق. ويفهم أنه كل شئ به قد كان (قد صار) (يو3:1).



- لذلك فإنه بالحق سيكون أكثر تقوى، لو أنهم أشاروا إلى الله مبتدئين من الإبن، وهكذا يلقبونه أباً، بدلاً من أن يسمونه نسبة إلى أعماله فقط فيلقبونه "غير المخلوق". لأن هذا اللقب نسبة إلى أعماله فقط فيلقبونه "غير المخلوق".

لأن هذا اللقب (الأخير) يشير فقط إلى كل خليقة – كما سبق أن قلت – وعموما فإن هذا اللقب يشير إلى كل الأعمال التى خلقت بإرادة الله من خلال الكلمة. فى حين أن لقب الآب يفهم وله دلالته فقط بالنسب إلى الابن. وبقدر ما يختلف الكلمة عن سائر الموجودات، فبمثل هذا القدر بل وأكثر. يكون الاختلاف بين أن يدعى الله "باً". وبين أن يدعى "غير المخلوق".

لأن هذا اللقب (الأخير) غير مستقى من الكتب المقدسة بل ويثير الريبة والشك، لأنه يحوى فى الواقع معانٍ متعددة. لدرجة أنه فى حالة التساؤل عن هذا اللقب، فإن الفكر ينتابه الحيرة والإضطراب، أما لقب "الآب" فهو لقب بسيط مستقى من الكتاب المقدس، وهو لقب أكثر صواباً وحقاً. وهو يشير إلى "الابن" فقط.


أما لقب "غير المخلوق"

فهو كلمة موجودة عند اليونانيين (الامميين) الذين لم يكونوا يعرفون "الابن". أما لقب "الآب" فقد صار معروفاً إذ قد أنعم به الرب يسوع) علينا. لأنه قد عرف – فى الواقع – ابن من هو. عندما قال "أنا فى الآب والآب فى" (يو10:14) وأيضاً "من رآنى فقد رأى الآب" (يو9:14) وأيضاًُ "أنا والآب واحد" (يو30:10). ولا يوجد فى أحد هذه الشواهد أى إشارة بتلقيب الآب بلقب "غير المخلوق" بل حين علمنا أن نصلى، لم يقل حينما تصلون قولوا:

أيها الإله غير المخلوق، بل بالحرى قال "حينما تصلون قولوا أبانا الذى فى السموات" (مت9:6) وهو بهذا قد أراد أن يركز على أساس إيماننا عندما أمرنا أن تكون معموديتنا ليس باسم "غير المخلوق" والمخلوق ولا بأسم "الخالق"

و "المخلوق" بل بأسم "الآب والإبن والروح القدس" (مت 19:28) لأننا وإذ نحن من بين المخلوقات. نصير هكذا مكتملين وبهذا نصير أبناء. وإذ ندعو اسم الآب، فإننا من هذا (الأسم) نعرف أيضاً الكلمة الذى هو من ذات الآب. إذن فما يجادلون به بخصوص لفظة "غير المخلوق"، إنما يدل على عبث، وليس هو أكثر مما هو فى خيالهم وحده.

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:38 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
مدخل الى المزامير للقديس اثناسيوس الرسول





نعم إنَّ كلَّ مُلهج به من الله نافعٌ للتعليم كما قالَ بولسُ الرسولِ، ولكن على الخصوص كتاب المزاميرِ الشريفِ، لأنَّ كلَّ مصحفٍ تفرَّدَ بأمر ٍ يختصُّ به في عهده. أعني بقولي أنَّ التوراة قد تَفَرَّدَتْ بتكوينِ ِ العالم ِ وأعمال رؤساء الآباء وخروج بني اسرائيل من مصر وفرض الشريعة وترتيبِ المظلَّةِ والكهنوت.ثلاثة كُتُب منها تحتوي على قسم الميراثِ وأعمالِ القضاة ونسبةِ داوود، والكُتُب الباقية تحتوي على أعمالِ الملوك وكتاب عزرا الذي يخبّر عن عتاقةِ السبي وإياب الشعب وبناء الهيكل والمدينة. وأمّا الأنبياء فتخبّر عن حضور المخلصِ وتذكّر بالوصايا وتذمّ مخالفيها وتتنبَّأ للأممِ. وأما كتاب المزامير فهو بمنزلةِ كتاب فردوس يحتوي على جميعِ ما في الكُتُبِ مُرَتلاً ويُنشد ظاهراً ما يختص بها.



التوراة في المزامير


أما مسائِلُ التكوينِ فيترنّم بها في المزمور الثامن عَشَر بقولِهِ: " السمَوات تُذيعُ مجدَ الله، والجَلَدُ يُخبّرُ بأعمالِ يديه ". وفي المزمور الثالثِ والعشرين يقولُ: " للربِّ الأرضُ بكمالها، الدنيا وكُلُّ الساكنينَ فيها. هو على البحار أسَّسها وعلى الأنهار هيأها " . وأما أخبارُ كتاب الخروج ِ والعددِ وتثنية الإشتراع فقد أحسن ارتجازَهُ في المزمور السابع والسبعين بقولِهِ : " في خروجِ إسرائيل من مصر، وبيت يعقوب من شعب البربرِ، كانَ يهوذا مقدسة وإسرائيل سلطانة " . وفي المزمور الماية وألأربعة يقول: " أرسَلَ موسى عبدّهُ وهارونَ الذي انتخبَهُ لنفسِهِ، جعلَ فيهم كلامَ علاماتِهِ وآياتِهِ في أرض حام " . ونقول بعامة إنَّ هذا المزمور مع الذي يليه بجملتها يخبّران بهذه القصص. وأما أمور الكهنوت والمِظلّة فيخبِّر بها في المزمور الثامن والعشرين بقولِهِ: " قَدِموا للرب يا أبناءَ الله، قدِّموا للرب مجداً وكرامةً " . وأمّا قصَّة يشوع بن نون فيشرحُها في المزمور الماية والستة حيث يقول: " أقاموا مُدناً للسًكنى، وزرعوا حُقولاً، وغَرسوا كروماً " . لأنَّ في عهدِ بن نون أُعطِيَت لهُم أرضُ الميعادِ. وفي المزمور عَينِهِ قيل: " صَرَخوا إلى الربِّ في حُزنهم ومن شدائدهم خلَّصهُم " . وهذا أورده أيضاً كتابُ القضاةِ أنَّ وقتَ صراخهم كانَ يقيمُ لهم قضاة بحسب الزمانِ ويخلّصهم من محزنيهم.

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:38 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
كثافة الروح في المزامير

للقديس اثناسيوس الرسول


كل هذه ترتّل في المزامير، وفي الكتب الأخرى سبق إلإخبار بها، وليس غائباً عني(1) أنّهُ في كُل من الكتب يشعر المرء أن ما قيل يختص بالمخلص، وما هو مشترك فيها مَرَدُّهُ اتفاق الروح الواحد. فموسى وإشعياء قد حرَّرا ترنّما، وصلاة حبقوق كانت بالترنّم أيضاً، وفي كُلّ كتابٍ نرى نبؤاتٍ وشرائعَ وقصصاً لكون الروح نفسه حالاًّ على الجميع موزَّعاً على كُلِّ واحدٍ خدمة للمواهبة المعطاة له وإكملاً لها، نبوءة كانت أو اشتراعاً او قصةً أو ذكْراً أو موهبة ترنّم. ولكن حيث إنَّ الروح الموزّع هو واحدٌ، فلا انقسام فيه لأنّه كائن بجملتِهِ في ذاته، وأمّا بحسب الذهن فتصير الأقسام لكلِّ واحدٍ على قدر الحاجة الحاضرة. على هذا نرى موسى، واضعَ



(1) القديس اثناسيوس يحدث عن نفسه


الشريعة وقتاً ما، متنبئاً ومرتلاً، وألأنبياءَ المفروضة عليهم النبوءة نراهم أحياناً يوصون وصايا كمثل موسى: "اغتسلوا وصيروا أنقياء طاهرين"، أو يسردون قصصاً كما دانيال في خبر "سوسانة" واشعياء في خبر "ربصاكي" وحكاية "سنحاريب". الأمر نفسه نلقاه في كتاب المزامير فانه يبدأ بالترنيم ثم يشرع بالقول أنْ: "كفَّ عن الرجزِ وارفُضِِِ ِ الغضب. حِدْ عن الشّرِ واصنع الخير.أُطلب السلامة واسعَ في ابتغائها". وأحياناً أخرى يقصُّ أخباراً مثل قولِهِ: "في خروج إسرائيلَ من مصر..." وأيضاً سبق فخبَّرَ بحضورِ المخلّص ِ. فمثل هذه الموهبة الروحية المحكي عنها من الكًلّ هي واحدة بحسب الضرورة وارادة الروح، ولا يُجَد خلافٌ في كونها تكثرُ أو تقلُّ بحسب هذه الحاجة. اذ كل أحدٍ يتمّم ما يختصُّ به من الخدمة بلا تهاون ٍ وعلى التمام.



فرادة كتاب المزامير:


أما كتاب المزامير فله موهبة ٌ خاصة وملاحظة فريدة، لأنه مع تعلّقِهِِ واشتراكِهِ في ما هو موجود في الكتب الأخرى فقد احتوى أيضاً أمراً مختصاً وبديعاً، وهو امتلاكُه حركات كُلِّ نفس وتغييراتها وتفاعلاتها موسومةً ومطبوعة ً فيه، حَتىّ إن كُلّ مَن يريد أن يقتبس منه يكون لهُ مثل صورةٍ وروايةٍ مقارناً ذاتَه على ما وجد فيه.



في الكتب الأخرى نجد الناموس آمراً ما يجب فعله وناهياً عما لا يجب فعلُهُ، أو نجد نبوءةً تخبّر فقط بمجيء المخلّصِ، أو قصصاً تخبر عنها أعمال الملوك والقديسيين. واما كتاب المزامير، فانَّ سامعه يُخبِّر بما سبق زكُتب ويكتشف حركات نفسِهِ ليتعلّمها. وعندما يكون أحد الناس في ضيق ما فبامكانه ان يختار من هذه الاقوال ما يطلق حاله ويداويه بما يليق به من القول والفعل ويتعلّم منها. ولا نغفلَنَّ أنه يوجد في الكتب الأخرى شرائع تمنع الناس عن القبائح وتردعهم، لكن هذا الكتاب يدوّن كيف بألإمكان إجتنابها. إن الكتب الأخرى تتضمّن وصيّة التوبة والكفّ عن الخطايا، أما هذا الكتاب فيشرح كيف يجب أن تكون التوبة وكيف يُعبرعنها، فإنَّ سامعه يُخبِّر بما سبق وكُتِبَ ويرتشف حركات نفسه ليتعلمها. يقول بولس الرسول: "إنَّ الحزن يصنع صبراً والصبر اختباراً والاختبار رجاء والرجاء لا يُخزي :. أما كتاب المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون وقت الحزن وما بعد الحزن ِ، وماذا يقول المحزون المزامير فيحدد لنا كيف يجب أن يكون احتمال الاحزان، وماذا يقول المحزون وقت الحزن وما بعد الحزن ِ، وكيف يُجَّرب كُلُّ مخلوق ٍ. كما يورد أقوال المتكلين على الربّ، ويؤكد أنَّ الوصية فرضت علينا الشكر على حالٍ، وتعلمنا المزامير ماذا يقول الشاكر كما يورد عند آخرين: " انَّ الذين يريدون أن يعيشوا بحسب الايمان ِ بالمسيح ِ سيطردون". لكن نقرأ في المزامير ما رأي المطرودين وماذا يقولون لله بعد طَردهم. كما ورد في الوصية أيضاً أنه علينا أن نبارك الرب ونعترف له، لكن المزامير تصوّر لنا كيف نسَبحُ الله، وبأيَّةِ أقوالِ نعترفُ له. لذلك يمكن لكل انسان أن يجد، أن التسابيح قد وُضِعتْ لنا لنحَياها. أيضاً ، في المزامير أمر مستغرب أنَّ الأقوال التي يتفوه بها القديسون في الكتب الأخرى، إذا عرفها السامعون يُسّون أنَّ المكتوبَ عنهم هم أناسٌ آخرون وليس هم ذاتهم. لكن الذي يتلو كتاب المزامير فيتعاطاه بمثابة قول شريف يتخشع له وكأنه معنيٌّ به شخصيّاً، ويَقيس نفسه على أقوال التسابيح وكأنها خاصة به. فلا نكسلن، ابتغاء للايضاح، أن نعود فنقول نظير المغبوط بولس الرسول إن ثمة كلمات كثيرة هي خاصة برؤساء الآباء، وهم تلفظوا بها. فموسى هو الذي كان يتكلّم والله يُجيبُ. والنبي ايليا وأليشع بجلوسهما على جبل الكرمل، كانا يستدعيان الربّ ويقولان: " حيٌّ هو الربُّ الذي أقمنا اليومَ لديه". كذلك سائر أقوال الأنبياء القديسين الآخرين التي كان البعض منها مقولا ً عن المخلص. وبعدها وردت كلمات كثيرة عن الأمم واسرائيل. لكن لا احد قط ادعى أنها خاصة به، حتّى ولا أقوال رؤساء الآباء. ولا يتجاسر أحد ان يقول متباهيا ً بأن أقوال موسى هي عنه هو، ولا الذي تكلمّ به ابراهيم عن ضرورية فلا يتجاسر أن يتكلّم بها كخاصةٍ لهُ، ولو ساوى أحدٌ النبيين في الولوع والشوق إلى الأفضل، لا يمكنه ان يقول كما قال موسى: " أظهر لي ذاتك" ولا ينتحل أقوال الأنبياء ويجعلها كأقوال خاصةٍ به في مدح أو ذمِّ أحدٍ من الناس قائلا ً مثلها لمن مَدَحوا أو ذمّوا. ولا يتجاسر أحدٌ أن يقول مناضلا ً كمن ذاتِهِ: "حيٌّ هو الربُّ الذي مثلتُ بحضرتِهِ أنا اليوم"، لأن الامر واضحٌ أنَّ مقتبل الكتب لا يتخذ الأقوال كأنها لذاتِهِ بل كأقوال القديسين وأقوال الذين يعبّر عنهم. واما الذي يتلو المزامير فيحدث له غير ذلك، لأن كل ما قيل في المخلص وفي الامم يتكلم به المرء كأقوالِ نفسِهِ ويرتِلها وكأنها محَّرَرةً من أجلِهِ ولا يتعاطاها وكأنها معبرة عن شخص آخر ولا محرّرة من قِبَلِ غيره، ولكنه ينظر إلى الكتكلم بها كعن ذاته وكأنه هو العامل ما قد قيل فيها، ويقربها إلى اله ناطقاً بها من نفسه هو غير عازل نفسه عنها من حيث هي أقوال رؤساء القبائل وموسى وألأنبياء. والسبب هو أن الذي يحفظ الوصية أو يخالفها، كلاهما مشمول بالمزامير.وهذا شيء لازم وضروري أن ينحو كل انسان بهذين الأمرين فيتلو الأقوال المكتوبة بشأن كليهما معاً إما كحافظ الوصية أو كمخالفها. وفي ظني أنها تكون لمرتّلها بمنزلة مرآة يرى فيها حركات نفسه ويحسُّ بها، فان إقتبلها فهو يتوبّخ من ضميره ويتخشّع بتوبة، أو يبتهج لسماعه بالرجاء إلى الله ويشكر على المساعدة التي تصير منه للمؤمنين. هكذا عندما ينشد المزمور الثالث ويرى أحزان ذاتِهِ، يستخص ما فيه من الأقوال. وكذلك في المزمور العاشر مع السادس عَشَر فكأنه يخبّر عن اتكاله على الله وصلاته إليه. وإن رنّم المزمور الخمسين فكانه هو القائل أقوال التوبة. ومتى رتَّل المزمور الثالث والخمسين، والسادس والخمسين، والماية والحادي وألأربعين، يظن نفسه أنّه هو المطرود والمتأذّي وليس غيره، كما يرتّل هذه الأقوال إلى الله وكأنها له هو. وبألإجمال إن كلّ مزمور منبثق من الروح كما ذكرنا، فيه نرى حركات نفوسنا وكأنها أقوالنا تذكراً لما فينا من الحركاتِ وتثقيفاً لسيرتنا. هذه كلها تفوَّه بها المرتلون ولعلها لنا رسمٌ ومثال. هذه هي نعمة المخلّص الذي صار إنساناً من أجلنا قرَّبَ جسدّهُ للموت فداءً لنا. أمّا تصرّفه السماوي وألأرضي فقد رَسَمهُ في ذاتِهِ ليكون للمؤمنيننموذجاً للغلبة على المحال، فلا ينخدع أحدٌ من شر العدوِّ. من أجل ذلك بما أنَّ السيدَ علّم لا بالقولِ بل بالعمل ِأيضا ً، فليسمع منه كلُّ واحد وينظر اليه كإلى صورة ويتخذه قدوة في العمل لأنه قال: "تعلّموا مني فاني وديعٌ ومتواضعُ القلب". هذا ولا يمكن لأحد من الناس أن يجد تعليما ً للفضيلة أكملَ من الذي رسَمَهُ ربُّنا في ذاته، سواء بالنسبة لعدم الشرِّ أو محبّة البشر ِ أو الرجوليّة أو الرحمة أو العدالة. كُلُّ هذه يجدها صائرة فيه. ولا ينقص أحداَ شيءٌ من الفضيلة إن اعتبر عيشة ربّنا البشرية التي كان يعلّم بها بولس الرسول فيقول: "صيروا مقتدين بي، كما أنا بالمسيح". وهذا لم يحدث لحكماء اليونانيينالذين كانت بهجتهم على قدر سلامهم. أما الرب فبما أنَّهُ إلهُ الجميع بالحقيقة والمعتني بما صنع لا يشترع فقط بل يدفع ذاتهُ مثالا ً للذين يريدون أن يعرفوا قدرة العمل، لذا وقبل حضوره بالجسد، جعل هذا الأمر للمرتّلين أنَّهُ كما أظهر في ذاتِهِ رسمَ الانسان السماوي الكامل كذلك يقدر كل من اراد أن يتأمل ويختبر من المزامير حركات وأطباع النفوس، كما يلقى فيه دواءَ كُلّ حركة وتقويمها. وان كانت ثمة حاجة إلى برهان أقوى نقول إن كلّ كتاب الهيّ يعلّم الفضيلة والايمان الحقيقي، فيما يحتوي مصحف المزامير على صورة الاستسارة(1) والنفوس. وكما أنَّ الذي يدخل إلى ملك يتزيّا بصفةٍ وأقوالٍ لئلا يُعَّيرُ بأنه عديمُ الأدبِ اذا تكلم بخلافِ ذلك، كذلك المصحف أيضا. فكلّ من كان ساعياً إلى الفضيلة ومريدا أن يعتبر سيرة المخلّص وتصرّفهُ بالجسدِ يتذكره أولاً بتلاوته شريعة النفس ثم يعمل ويعلّم بمثل هذه الأقوال

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:38 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
كتاب المزامير مصنّفا

للقديس اثناسيوس الرسولى


ليتأمل كلًّ واحدٍ من البشر أولا ً ما هو لهذا المصحف أن بعضا ً من المزامير مقولة على سبيل الحكاية، وبعضها على سبيل النصيحة، وبعضها على سبيل الاعتراف. فالتي على سبيل الحكاية هي العاشر ، والثالث، والاربعون، والثامن والاربعون، والتاسع والاربعون، والخمسون، والسادس والثمانون، والثامن والثمانون، والماية والتسعة، والماية والثالث عَشَرَ، والماية والسادس والعشرون، والماية والسادس والثلاثون. وأمّا التي على سبيل الضراعة فهي المزمور السادس عَشَرَ، والسابع والستون، والتاسع والثمانون، والماية والواحد، والماية والواحد والثلاثون، والماية والواحد وألأربعون. وأمّا التي في سعادةٍ وضراعةٍ وتوسّلٍ فهي الخامس، والسادس، والسابع، والحادي عَشَرَ، والثاني عَشَرَ، والخامس عَشَرَ، والرابع والعشرون، والسابع والعشرون، والثلاثون، والرابع والثلاثون، والسابع والثلاثون، والثاني وألأربعون، والثالث والخمسون، والرابع والخمسون، والخامس والخمسون، والسادس والخمسون، والثامن والخمسون، والستون، والثالث والستون، والثاني والثمانون، والخامس والثمانون، والسابع والثمانون، والماية والسابع والثلاثون،

(1)طريقة السير مع الله والماية وألأربعون. وأما ذو الاعتراف فهو الخمسون، والستون، وذو التهليل والقيامة فهوالخامس والستون. وهناك مزمور واحد للتهليل وهو التاسع والتسعون. وأما ذو الاعتراف فهو الخمسون، والستون، وذو التهليل والقيامة فهو الخامس والستون. وهناك مزمور واحد للتهليل وهو التاسع والتسعون.

المزامير مرآة النفس


إذا كان ترتيب المزامير على هذا النحو، فمن المستطاع للمطّلعين عليها أن يجد كلّ منهم فيها صورة لحركاتِ نفسِهِ وحالِهِ زكُلَّ شيء في مكانه لتعليمهِ. كما ويلقى فيها ما يمكنه أن يقوله ليرضي الله وبأية أقوالٍ يقدر أن يصلح نفسه ويشكر الربّ، خاصة وأنه يتوجب علينا أن نعطي جواباً للديّان لا عن الافعال فقط بل عن كلّ كلمةٍ بّطالةٍ أيضاً. فإن شئْتَ أن تطوّب أحداً يدلُّكَ كتاب المزامير على كيفية التطويب وأي مزمور يكون مناسباً لذلك، هنا عندك المزمور: الأول، والواحد والثلاثون، وألأربعون، والواحد وألأربعون، والماية والثامن عشر، والماية والسابع والعشرون. وإن شئت ثَلْبَ اليهود لاغتيالهم المسيح فلك أن تقول التسْبِِحَة الثانية. وان كنت مطرودا ًمنهم وكَثًرَ محاربوك فإقرأ المزمور الثالث. وان استغثت بالربّ واستجاب لك وأردت أن تشكُرهُ فرتّل المزمور الرابع، والماية والرابع عَشَرَ.



وان نظرت أشراراً راموا أن يكمنوا لك فصلِّ صباحاً المزمور الخامس. وإن أحسست بتهديد الربَّ ورأيت ذاتك مضطرباً فاقرأ المزمور السادس، والسابع والثلاثين. وإن تآمر عليك أُناسٌ كما تآمرَ أشيطوفال على داود وأخبرك أحدٌ بذلك فرتّل المزمور السابع وثق بالله في شأن خلاصك. ومتى رأيت نعمةَ المخلّص شاملة كلَّ صقع ورمت تحية ربك فدونك المزمور الخمسين، والثمانين. وإن شئت أن ترتل تسبحة العصر لتشكر الرب فعليك بالمزمور الخمسين نفسه. ولا تحسبنَّ ذاتك قادراً على تعطيل العدوّ وتخليص الخليقة، فإن علمت بأن هذه من مناقب ابن الله فقل المزمور التاسع. وان سعى أحدٌ إلى إقلاقِكَ فاتكل على الرب ورتِّلْ المزمور العاشر. ومتى عانيت استكبار كثيرين من الناس وإفراط شرّهم وعدم البِرِّ فيهم فالتجئ إلى الربّ وقُل المزمور الحادي عَشَرَ. وان تمادى أعداؤك في مكرهم فلا تيأس ولا تظن أنك منسيٌّ عند الربّ بل تضرّع اليه ورتّل المزمور السادس والعشرين. وعندما تسمع أُناساً يجدّفون على الله بشأن رعايته وعنايته فلا تشاركهم في كفرهم بل اتجّه إلى ربّك وأقرأ المزمور الثالث عَشَرَ، والثاني والخمسين.



ولو رغبت أن تعرف من هو المستعد لملكوت السماوات، فاقرأ المزمور الرابع عَشَرَ. وان احتجْتَ إلى الصلاة دفعاً لمقاومتك ومحاصري نفسك فسبّح بالمزمور السادس عَشَرَ، والثامن والثمانين، والماية وألأربعين. وإن شئت أن تعلم كيف صلّى موسى فعليك بالمزمور التاسع والثمانين. وان خلصت من أعدائك ونجوت من مضطهديك فرتّل المزمور السابع عَشَرَ. ومتى أذهلك نظام الخليقة ونعمة عناية الله فرتّل المزمور الثامن عَشَرَ، والثالث والعشرين. أما إذا رأيت أُناساً منحصرين متضايقين فادعُ لهم مردداً أقوال المزمور التاسع عشر. ومتى رأيت ذاتك والرب يرعاك وأنت تسلك حسناً فرتّل المزمور الثاني والعشرين. وان نَهَضَ الأعداء عليك فارفع نفسك إلى الله وأقرأ المزمور الرابع والعشرين، فتراهم يأثمون عبثاِ. وإن ألحَّ أعداؤك وكانت أيديهم مفعمة دماً وراموا إهلاكك فلا تسلّم الحكم للناس، لأن أمور البشر مريبة، بل التمس قَضاءَ الله الذي هو وحده الديان، واتْلُ المزمور الخامس والعشرين، والرابع والثلاثين، والثاني وألأربعين. وان أشتدت صَوْلَتُهم عليك وازدروا بك فلا تفزع بل رتّل المزمور السادس والعشرين. وبما أنَّ الطبيعةَ البشريّة ضعيفة، فإن كان أعداؤك وقحين فلا تلتهِ بهم، بل اضرع إلى الله قائلاً ما في المزمور السابع والعشرين.



وإن شئت أن تشكر بالذهن فرتّل المزمور الثامن والعشرين. ولو رغبت في تجديد بيت ذاتك ونفسك القابلة للربّ وكذلك بيتك الحسّي الذي تسكن فيه بالجَسَدِ فاقرأ المزمور التاسع والعشرين، والماية والسادس والعشرين الذي هو من مزامير الدرجات. ومتى رأيت ذاتك مضطَهَداً من جميع الأقارب والأصحابِ لتمسك بالحقِّ فلا تَخُرْ ولا تفزع من بغض معارفك بل كن للمستقبلات متأملاً ورتّل المزمور الخمسين. وحين تبصر المصطبغين القادمين من السيرة الفاسدة، وتعجب من وداد الله ومحبّته للبشر فرنم لهم المزمور الحادي والثلاثين. وإن أردت أن تصلّي وجماعة الرجال العادلين المستقيمين فرتّل المزمور الثاني والثلاثين. ولو رغبت في الhttp://74.220.207.152/%7Eanbawis1/vb...milies/ccc.gifن إثر وقوعِك بين أعدائك وخلاصك منهم بالحكمة ونجاتك، فادعُ الودعاء ورتّل في حضرتهم المزمور الثالث والثلاثين. وان رأيت مماحكة المنافقين ومناضلتهم في الشرّ، فاقرأ المزمور الخامس والثلاثين فتبصر أنهم كانوا هم أنفسهم سبباً لخطاياهم. وان نظرت مخالفي الشريعة يتشامخون على الوضعاء وأردت أن تنصح بعضاً من الناس أن لا يصغي إليهم ولا يغايرهم لكونهم يخمدون سريعاً فاقرأ لذاتك ولأصحابك المزمور السادس والثلاثين. وأيضاً إن شئت أن تحترس من العدو المتسلّط وأردت تحريك نفسك عليه فرتّل المزمور الثامن والثلاثين. وإن صبرت على الضيق لدى تكاثر الأعداء واردت أن تعرف النفع الصائر من الصبر، فرتّل المزمور التاسع والثلاتين. وإن رأيت جماعة من الفقرآء والمساكين وأردت أن تصنع لهم رحمةً فاقرأ المزمور الأربعين. وان ازددت شوقاً إلى الله وسمعت الأعداء يثلبونك فلا تضطرب بل تيقن من الثمر الباقي الحاصل من شوقك هذا وعَزِّ نفسَكَ برجائك بالله مخففاً عنك بقراءة المزمور الحادي والاربعين.


وفيما تريد أن تتذكّر على التوالي إحسان الله الصائر إلى آبائنا، وأمر خروجهم من مِصر وترددهم في البرّية، وصلاح الله وأن الإنسان عديم الشكر فاقرأ المزمور الثالث وألأربعين، والسابع والسبعين، والثامن والثمانين، والماية والأربعة، والماية والخمسة، والماية والستة، والماية والثالث عَشَرَ. وإن التجأت إلى الله ونجوت من الأحزان الصائرة عليك وشئت أن تشكر الله فلك أن تقرأ المزمور الخامس وألأربعين. وإن أخطأت وندمت بتوبة وقبلت التوبيخ، فلك أن تقرأ أقوال الإعتراف والتوبة الموجودة في المزمور الخمسين. وان وشي بك وتفاخر عليك النمّام فامضِ في سبيلك وقل المزمور الحادي والخمسين. وإن طردك الغرباء وأرادوا تسليمك فلا تتهاون بل ثق بربّك مسبّحاً واقرأ ما في المزمورين الثالث، والخامس والخمسين. ولو تواريت في مغارةٍ هرباً من اضطهادٍ فلا شكّ ولا تخشى، لأن لك الأقوال المناسبة، التي تُسليك في الضيق، من المزمور السادس والخمسين، والحادي وألأربعين. وإن رامَ عدوّك ضرب حصارٍ عليك وهربْتَ منهُ فاستودع الله النعمة واكتب أحرفها في نفسك وارفعها نُصباً لتكون تذكاراً لعدم واقرأ ما في المزمور الثامن والخمسين. وإن كان الاعداءُ يحزنونك ويتظاهرون بمحبتك فيما يتآمرون عليك فبإمكانك أن تعزّي نفسك من الغم إنْ سبحت ربّك بقراءة المزمور الرابع والخمسين.وإن شئت تخجيل المرائين المغيّرين وجوهم فاقرأ المزمور السابع والخمسين.


أما الذين يهجمون عليك طالبين نفسك فقابلهم بالخضوع لربّك واثقاً به واقرأ ما في المزمور الحادي والستين. وإن كنت مطروداً وفررت إلى مغارة فلا تفزع من الوحدة بل كمصاحب الله هناك إبتكر اليه، ورتِّل المزمور الثاني والستين. واذ يهدّدك الأعداء ويترصدونك ويبالغون في الاستقصاء عليك فلا تجبُن منهم ولو كانوا جمهوراً لأنَّ رشقهم كنبل الأطفال يكون عند ترتيلك المزمور الثالث والستين، والسابع والستين، والتاسع والستين، والسبعين. وإذ رغبت في أن تسبّح الله، فرتّل المزمور الرابع والستين. وإن شئت أن تعظ أُناساً في أمرِ القيامة فرتِّل ما في المزمور التاسع والستين. ولو وعظتهم من قبل الرب مذيعاً رآفاته عليهم فسبحّهُ مرتلاً المزمور السادس والستين. وحين ترى الكُفّار متنعمين ولهم سلامة، لا تشك ولا تتزعزع بل إقرأ ما في المزمور الثاني والسبعين. وإن سخط الله على الشعب، فلك ما يعزّيك في المزمور الثالث والسبعين. وإن احتجت إلى الاعتراف، فرتّل المزمور الرابع والسبعين، والحادي والتسعين، والماية وألأربعة، والماية والخمسة، والماية والستة، والماية والسبعة، والماية والخامس والثلاثين، والماية والسابع والثلاثين. وإن عيّرك اليونانيين والهراطقة بشأن معتقداتك التي يجهلونها وهي الكنيسة وحسب، فإنك قادر أن تفهم ذلك لو قرأت ورنّمت ما في المزمور الخامس والسبعين. وإن حصرك أعداؤك فلا تيأس ولو اضطربت بل أقم مصلّياً، فإن استجاب الله دُعاك فاشكره وفق المزمور السادس والسبعين. وإن نَجَّس الأعداء بيت الرب وقتلوا القديسين وطرحوا أجسادهم لطيور السماء، فئلا تتراخى وتفزع منهم، وَجِّه طرْفك صوب ربّك وقل المزمور الثامن السبعين. وإن شئت في عيد أن تسبّح فاجمع عبيد الله ورتِّل المزمور السادس والثمانون، والرابع والتسعين. وإن تقاطر الأعداء من كل جهةٍ على بيت الله وراموا الإضرار بالإيمان القويم فلا تخشهم ولتكن لك رجاء كلمات المزمور الثاني والثمانين.


وإن رأيت ربك ومساكنه الابديّة وكان لك اشتياق اليها كما كان للرسول فاقرأ المزمور الثالث والثمانين. ومتى كفَّ عنك السخط وأردت أن تشكر فلك أن تقرأ المزمور الرابع الثمانين، والماية والخامس والعشرين. وإن شئت أن تبرز الفرق بيت الكنيسة الجامعة والمنشقّين فقل لهم ما هو محرَّرٌ في المزمور السادس والثمانين. ولو أردت أن تدعو إلى عبادة الله وتُثبِتَ أنَّ المتَّكل عليه لا يحزن ولا يخاف فلك أن تسبِّح على نحو ما جاء في المزمور السادس. وإن شئت أن تصلّي في السبت فلك المزمور الحادي والتسعين. وإن شئت أن تشكر يوم الأحد فلك المزمور الثالث والعشرين. ولو أردت أن تصلّي في الثاني من السبوت فاقراء ما في المزمور الرابع وألأربعين. وإن شئت أن تسبِّح في يوم الجمعة فلك المزمور الثاني والتسعين لأنه قد وضع لما ابتُني البيت، مع أن الأعداء حاولوا محاصرته، لذلك سبّح المؤمنون الله تسبحة الظفر. وإن وقع سَبْيٌ وانذكَّ الهيكل وابتُني ثانيةً فرتّل المزمور الخامس والسبعين. وإن سَكَنتِ الأرض من المحاربين وشئت أن تسبّح الله فلك المزمور السادس والتسعون. وإن شئت أن ترتل في الرابع من الاسبوع فلك المزمور الثالث والتسعون لأن الرب في ذلك الوقت لما رُفع ابتدأ ينتقم من غلبة الموت ويشهرها جهاراً. وإن قرأت الانجيل ورأيت أنَّ اليهود ضربوا مشورةً على الربّ في اليوم الرابع من الاسبوع الذي هو بدءُ مجاهرةِ العدو، فعند ذلك رتّل المزمور الثالث والتسعين. ومتى رأيت عناية الرب بالكلَ وربوبيّته وأردت أن تَحُثَّ أُناساً على الايمان والطاعة لتقنعهم فرتّل المزمور التاسع والتسعين. وإن عرفت قدرة حكومة العلي وعلمت أنّ الله سبحانهُ يمزج الحكم بالرحمة وشئت أت تتقدم إليه فلك الأقوال الواردة في المزمور الماية.


وبما أن طبيعتنا ضعيفة فإن إفتقرتَ بسبب ضيقات العمر وأردت أن تتعزّى فلك المزمور الماية والواحد. وحيث أنّهُ واجبٌ علينا أن نشكر الله على كل شيء وفي كل شيء فكلما أردت أن تبارك، فردِّد المزمور الماية والاثنين، والماية والثلاثة. وإن شئت أن تسبح الله وتعرف بأيِّ حالٍ وعلى أيِّ شيءٍ ينبغي التسبيح وماذا يجب أن يقول المسبِّح فلك المزمور الماية والاثنان، والماية والستة، والماية والرابع والثلاثون، والماية والخامس وألأربعون، والماية والسادس وألأربعون، والماية والسابع وألأربعون، والماية والثامن وألأربعون، والماية والخمسون.


وإن كان لك إيمانٌ، كما قالَ الربُّ وتركن إليه فيما تقول مصلّياً فاتْلُ المزمور الماية والخامس عَشَرَ. وإن شعرت بذاتك أنَّك تتقدم بألأعمال الصالحة، فعلى قدر ما تقول "أنسى ما وراء وأمتدُ إلى أمام "، فلك على كُلّ نجاحٍ أن تقرأ تسابيح الدرجات الخمس عَشَرَة. وإن سَبَتْكَ الأفكار الغريبة وشَغَلَتْكَ بذاتك وقيّدتك فكُفَّ عن الأشياء التي أدركت ذاتك مخطئاَ بها، وابكِ عن الخطيئة التي وقعْتَ فيها نظير الشعب في ذلك الزمان، وقُل ما في المزمور الماية والسادس والثلاثين. وإن احتسبت المحن تجربةً لك وشئت بعد ذلك أن تشكر فلك المزمور الماية والثامن والثلاثون. وإن كنت محاصَراً من الأعداء وأردت الخلاص فقل ما في المزمور الماية والتاسع والثلاثين. وإن أردت أن تصلّي وتتضرّع فرتّل المزمور الماية وألأربعين، والماية والثاني وألأربعين، والماية والخامس وألأربعين. وإن تسلّط عليك وعلى الشعب عدوّ جببّار مثلما تسلط جليات على داود فلا تخشَ بل ثِق أيضاً، نظير داود، واتلُ المزمور الماية والثالث وألأربعين. وإن عجِبت لإحسان الله وذكرت جودَهُ فقل الكلمات التي قالها داود في المزمور الماية وألأربعة. وإن شئت أن تسبّح الربّ فلك المزمور الخامس والتسعون، والسابع والتسعون. وإن كنتَ صغيراً وانتدُبتَ لقضاء حاجةٍ إخوتك فلا تتشامخ عليهم، بل أعطِ مجداً للربّ الذي انتخبك ورتّل المزمور الذي بعد الماية والخمسين الخاص بداود. وإن أردت ترتيل مزامير هلِّل فلك المزمور الماية وألأربعة، والماية والخمسة، والماية والستة، والماية والعشرة، والماية والحادي عَشَرَ، والماية والسابع عَشَرَ، والماية والثامن عَشَرَ، والماية والرابع والثلاثون، والماية والخامس وألأربعون، والماية والسادس وألأربعون، والماية والسابع وألأربعون، والماية والثامن وألأربعون، والماية والتاسع وألأربعون، والماية والخمسون.


وان أردت أن ترتّل ما هو في أمر المخلّص وحده فإنك تجد ذلك في كل مزمور وعلى الخصوص في المزمورين الرابع وألأربعين، والماية والتسعة اللذين يخبران باتّلادِهِ الخاص من الآب وحضوره بالجسد. وأما المزموران الحادي والعشرون، والثامن والستون فينبآن بصلبه الإلهي والتسليم الذي احتمله من أجلنا والآلام التي كابدها. أمّا المزموران الثاني، والثامن فيشيران إلى خيانة اليهود وشرّهم ووشاية يهوذا الاسخريوطي. وأما المزامير العشرون، والتاسع وألأربعون، والحادي والسبعون، فيخبرون بملكِهِ وبقوةِ قضائِهِ وبإِعادة حضوره الينا بالجَسَدِ. والمزمور الخامس عَشَرَ يرينا قيامة جسدِهِ. والمزموران الثالث والعشرون، والسادس وألأربعون يخبّران بصعوده إلى السماوات. وأما المزامير الثاني والتسعون، والخامس والتسعون، والسابع والتسعون، والثامن والتسعون متى تلوناها علمنا بجود المخلّص الصائر إلينا من آلامه.

Marina Greiss 29 - 09 - 2012 08:38 PM

رد: موضوع متكامل عن القديس اثناسيوس الرسول البطريرك العشرون
 
لماذا ترتَّل المزامير بألحانِ وترنَّم؟

للقديس اثناسيوس الرسولى




هذا أيضاً أمر يحتاج إلى توضيحٍ، لأنه يوجد قوم يرتجلون القول ولو كانوا متيقنين من ان المزامير مُلهَجٌ بها من الله، لكنّهم يتوَّهمون أنَّها تؤدّي ملحنَّة لغاية حسن النغمة والطرب. لكن الأمر ليس كذلك لأن الكتاب لا يروم التلذّذ وزخرفة الكلام، بل هذا قد ارتسم لأجل نفع النفس ولأنه واجبٌ أن تكون تلاوة الكتاب الإلهي لا دَرجاً وحسب بل سبحاً لله أيضاً على نحوٍ مُنَّسق وتمادٍ في الصوت.



وبهذا النوع تصان محبّة البشر وشوقهم إلى الله من كُلِّ قلبهم وقوّتهم، لأنه كما أن النظمَ يؤلف ما بين الألفاظ كذلك توجد في النفس شرعة مختلفة وهي التفكّر وقوّة الشهوة وقوّة الغضب، ومن هذه الحركة ينتشي فعلُ الجسَدِ. المراد بهذا المعنى، أن الإنسان عديمُ الإتفاق لأنه كثيراً ما يقول الشيء ويعمل عكسه، كما جرى لبيلاطس الذي قال عن المسيح أنّه لم يجد فيه علّةً تستوجب الموت ومع ذلك أسلمه لليهود. كذلك يشتهي الانسان فعل المساوئ لكنّه لا يقدر على إتمامها، كما جرى للشيوخ الذين حكموا على سوسانة. وليس الانسان أيضاً بريئاً من الفسقِ، ولا سارقاً وبريئاً من السرقة في آن، ولا قاتلاً وبريئاً من القتل معاً، او متكلماً بالتجديف. فلئلا يوجد فينا اختلال مثلُ هذا يحسن أن تكون النفس مالكه عقلاً جيداً، كما قال الرسول، وأن تسلّم لصاحبها قيادها وتضبط به أدوات انفعالها وتترأس على أعضاء الجَسَدِ لتخضع للنطق.




وكمثل الضرب في نظم المعازِفِ كذلك يجب أن يكون الانسان معزفة وينقاد بجملته للروح ويخضع بكلّ أعضائِهِ وحركاتِهِ كخادمٍ لما يطلبه منه. فاذاً تلاوة المزامير ترنيماً تكون مثالاً ورسماً لهدؤ النفس وسكونها. لأنّه كما نعرف هواجس النفس ومعقولاتها ونوضحها بألأقوال التي نتلفظ بها، كذلك أراد الربُّ أن يكون انتظام النفس الروحي عمارة له بترتيل الكلام والتلحين، فأمر أن تُقرأ المزامير بترنّمٍ. وهذه شهوة كان قد وضعها حسناً لأنه في وقت الترتيل كُلّ من كان فيه قلق واضطراب صار ممهّداً. وكلّ من كان محزوناً يتداوى عند ترتيله: " لماذا أنتِ حزينةٌ يا نفسي، ولماذا تقلقيني؟". والنفس تعرف خطأها وتقول: "أمَا أنا فعمّا قليل كادت خطواتي أن تزلّ".


وبالرجاء تُقوّي خوفها عندما تقول: "الربّ عوني فلا أخشى ماذا يصنع بي الانسان". وأما الذين لا يتلون التسابيح الإلهية بهذا المعنى فصلواتهم لا تكون بفهمٍ بل يُطربون أنفسهم، وعليهم مذمّة لأن السُّبْح لا يجمل في فم الخاطئ. أما الذين ينشدون المزامير بالمعنى المشار اليه أعلاه، الذين يبرزون نَغَمية الكلام من نَظْمَ النفسِ ومن الاتفاقِ بالروح، فهؤلاء يرتلون باللسان والعقل معاً ويسدون نفعاً عظيماً لا لأنفسهم فقط بل أيضاً للذين يرغبون في سماعه.



فهكذا داود المغبوط عندما كان يرتّل لشاول كان يرضي الله ويطرد من شاول طرف جنونِهِ مسكِّناً نفسَهُ ومهدِّئاً لها. ومثل ذلك الكهنة عندما كانوا يرتّلون، كانوا يُهذِّئون نفوس الشعب ويستدعونها إلى موافقة المصاف السماوية. اذلً قراءة المزامير بالتلحين ليست للطرب بل هي علامة انتظام الأفكار في النفس. والتلاوة المنَغَّمة المرتَّبَة تشير إلى وضع الذهن وانتظامه. قديماً كانوا يسبّحون الله بصنوجٍ حسنة التلحين وقيثارةٍ ومعزفةٍ ذات عشرة أوتارٍ.



هذا كان دليلاٍ على ائتلاف أعضاء الجسد بانتظام شرعي كأوثارٍ، وعلى أفكار النفس كصنوجٍ، وأنها تتحرك وتحيا بصوت ونَفَس الفم وتميت أعمال الجسد. فالذي يكون ترتيلُه حسناً على هذا النحو نفسه ويقدمها لتكون مستقرة فيما يخصّ طبيعتها ولا تجزع من أحدٍ بل تكون حسنة المجاهرة وتشتاق بالأكثر إلى الخيرات العتيدة لأنها تتهيأ لترتيل الكلمات وتنسى الأذيّة وتحدِث تجديقاً ذهنياً في المسيح. ومتى فكّر قارئ هذا المصحف كان عليه أن يصغي بتأملٍ خاصٍ إلى الأقوال الملهم بها من الله ليستطيع أن يفتكر بطريقة فضلى ويجني الأثمار الإلهية من فردوس الاله المعطاة لمنفعتنا.



وإني أرى أن أقوال هذا المصحف تحتوي على كل سيرةٍ للبشرِ وأوضاع نفوسِهِم، وحركات أفكارهم وليس شيء غير هذا إن كان الانسان بحلجة إلى توبةٍ أو إلى اعترافٍ أو أصابهُ ضيقٌ أو محنةٌ أو طُرِدَ أو بُغِيَ عليه ونَجا أو حزن أو انزعج أو ابتُلي بشيء مما سبق ذكره أو ابصر نفسه ناجحا وعدوّه مقهوراً أو أن يحمد ويشكر ويبارك الرب كل ذلك يمكن أن يتعلمه الانسان من المزامير فيقرّب الأقوال المحرَرَة فيهِ إلى الله كأنها قيلت من أجلِهِ.


لكن حذارِ أن يغلِّفَ أحدٌ الأقوال الإلهية بالحكمة البشرية أو يغّير الألفاظ أو يبدِّلها بنوع ما، بل ليرتّلْها كما هي بلا تصنُّعٍ ناقلاً إياها، كما سبق فقيلت، إلتماساً لعضد الروح الذي نطق بالقديسين الذين تزيد أقوالهم فضلاً عما نألفه بمقدار كون سيرتهم أفضل من سيره غيرهم. وأنَّه لحق واجب أن نحسب أقوالهم أكثر قوة من أقوالِ سواهم لأنهم بها أرضوا الله وصنعوا مناقب على أحدِّ قول الرسول:



"قهزوا الممالك وعملوا البر ونالوا المواعد وسَدّوا أفواهَ الأُسُدِ وأخمدوا قوّة النار ونَجوا من حدِّ السيف وتأيّدوا من بعدِ ضُعفِ وصاروا أقوياء في الحروب وهزموا جيوشَ الغرباء، وأخذت النساء أمواتهنَّ بالقيامة". فهذه الأقوال إذاً، عندما يقولها أحدٌ فليكن واثقاً أنَّ الله يستجيب للذين يتضرعون بها إليهِ.



لأنَّهُ إن كان قائلها في ضنكٍ يلقى فيها تعزيةً عظيمةً وإن كان في محنة ورتّل على هذا المنوال يكتشف بالهبرة أن الرب الاله يستره كما ستر الذي تفوه بها في قبله، وعلى هذا النحو يَخْسأ الشيطان وتُطرد الأبالسة. وإن رددها المرء وكان خاطئاً يرى نفسه أنه قد انْسرَّ مبتهجاً بامتداده إلى قدّام. وإن كان مجاهداً يتقوى ويتأيد ويثبت في الحقّ إلى الابد ويوبِّخ المقبلين اليه الطالبين ضلال نفسه. وليس في كل ذلك من ضامن الاّ الكتاب الالهي نفسه.



لأن الله أوصى موسى أن يكتب التسبحة الكبرى ويلقنها للشعب. كما أمر بتحرير سفر تثنية الاشتراع لكل من تقلّد رئاسة، آمراً أن يكون حامله على يديه ويدرس فيه الأقوال كأنها كافية لايقاد الفضيلة فيه، ومساعدة الذين يقبلون النُّصح. وعندما دخل يشوع بن نون أرض الميعاد وأبصرَ مصافَ الأمم وملوك الأموريين، فعوض الأسلحةِ والسيوفِ كان يقرأ على مسمعِ الجميعِ مصحفَ تثنية الاشتراعِ مفطِّناً إياهم بما في الشريعة، وعلى هذا النحو سَلَّحَ الشعب وقهر المحاربين.



كذلك لما وجَدَ يوشيّا الملك المصحف وقرأ على مسامع الجميع لم يعد خائفاُمن أعدائه. وعندما كان الشعب يتعرض للحرب كان يتقدمهم التابوت الذي فيه مصاحف الناموس وهذا كان يغنيهم عن كل موكب ينصرهم. ويتضمَّن ذلك أن يكون حاملوه أو الشعب أبرياء من الخطيئة، لأنَّالشريعة لا تفعل فيهم الا على اساس الايمان والنية الصالحة. وأنا قد سمعت من أناس فهماء أنَّه لما كانت تُتلى الكتب في إسرائيل في الزمان القديم كانت تُطرد الشياطين ويُفتضَحُ مكرهم الصائر بين الناس.



فالذين يستهينون بالنقاوة ويؤلفون من خارج كلمات مزخرفة يستوجبون تحقيراً كلياً، وهم يكفرون بما أن فعلهم هذا لعب وتسلية وشأنهم السُخرية بالناس، كما جرى لبني "سكاوا " الوارد خبرهم في أخبار الرسل( 19: 13-16 )، لأنهم راموا أن يطلبوا الكفر بمثل هذا التصرف. وهؤلاء متى سمع بهم الشياطين يهزأون بهم، وأما أقوال القديسين فيرهبونها ولا يستطيعون احتمالها لأن الرب موجود في أقوال القديسين. ولعدم قدرة الشيطان على احتمال أقوال الرب كان يصرخ:



" أسألك ألاّ تعذبني قبل الزمان " لأنّه كان يحترق لرؤية ربنا حاضراً فقط. كذلك كان ينتهر الأرواح النجسة، والأبالسة كانت تخضع للتلاميذ أيضاً. وأليشع النبيّ عندما كان يرتّل حلّت عليه يدُ الرب وتنبأ لاجل المياه لثلاثة ملوكٍ. كذلك الآن كُلُّ من اعتراه روح خبيث فليقل هذه الأقوال لينتفع وليثبت إيمانه الحقيقيّ أيضاً، والرب الاله يمنح الشفاء كاملاً للسائلين. وداود لعلمه بذلك كان يقول في المزمور الماية والثامن عَشَرَ: " أهذُّ بأحكامك ولا أنسى كلامك "، "مرتَّلَةً كانت عندي حقوقك في موضع غربتي ". وبهذه أيضاً يخلُص القائلون: " لو لم تكن شريعتك تلاوتي لكنت قد هلكت في مذلتي ". كذلك كان بولس يستوثق تلميذه قائلاً: "إياها ادرس. وفيها كن. ليكن نجاحك ظاهراً ". فإن لازمتها دارساً واطّلعت على المزامير على هذا النحو، قدرت أن تفهم المعنى الذي تتضمنه ويرشدك الروح وتساير الرجال القديسين الملهمين من الله الذي له المجد، إلى الأبد، آمين.


الساعة الآن 11:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025