منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 02 - 2015, 06:51 AM
الصورة الرمزية sama smsma
 
sama smsma Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  sama smsma غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

قصر المزامير _ جيروم


قصر المزامير _ جيروم
قصر المزامير
القديس جيروم


إنّ سفر المزامير يشبه قصر فخم له مفتاح واحد فقط للمدخل الرئيسي. إلا أن كل غرفة منفصلة بداخل القصر لها مفتاحها الخاص. فبالرغم من أنّ المفتاح العظيم الذي للمدخل الرئيسي هو الروح القدس إلا أن كل غرفة بدون إستثناء لها مفتاحها الصغير الخاص بها. لو أي شخص بطريق الخطأ خلط بين المفاتيح أو ألقاها، وبعد ذلك أراد أن يفتح إحدى الغرف، لن يستطيع ذلك حتى يجد المفتاح الصحيح. هكذا بالمثل، سفر المزامير مثل الغرّف المفردة، كل مزمور أو غرفة لها مفتاحها الصحيح الخاص بها. والمدخل الرئيسي لقصر المزامير هو المزمور الأول، الذي يبدأ بكلمات: "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار".

يعتقد بعض المفسرين أن المفتاح لهذا المزمور الأول يجب أن يكون شخص المسيح ربنا، مفسرين "الرجل المطوَّب" على أنه المسيح. بالطبع، يقصدون أمراً حسناً، لكن بالتأكيد مثل هذا التفسير يظهر عدم توفر الخبرة والمعرفة، لأنه لو أن ذلك الرجل السعيد هو المسيح، والمسيح هو الذي أعطى الناموس، فكيف تنطبق مثل هذه الكلمات على المسيح: "في ناموس الرب مسرَّته"؟ إلى جانب ذلك، كيف يمكن مقارنة المسيح بشجرة، عندما يقول: "يكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياة"؟ لأنه إذا قورن المسيح بشجرة، يكون أقل من الشجرة، لأنه عند المقارنة يكون الشيء المقارن أقل مما يقارن به، ومن ثم تكون الشجرة أعظم من الرب الذي يتم مقارنته بها. هكذا نرى أن المزمور لا يشير لشخص الرب، لكنه بالأحرى يشير بشكل عام للإنسان البار. أُسلّم بأن هناك العديد يُطبّقون كلمات المزمور على يوسف - ولهم أسبابهم في ذلك - أقصد يوسف الرامي، الذي لم يسلك في مشورة اليهود وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس الفريسيين لم يجلس. ومع ذلك، ما أختاره الآخرين لتفسيره بشكل خاص كإشارة ليوسف، سوف نفسره نحن بشكل عام ونطبقه على كل إنسان بار.

"طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار". في سفر التكوين نقرأ كيف لُعنّ آدم: "ملعونة الأرض بسببك" (تك 17:3)، لكن اللعنة الأولى المنطوقة ضد الإنسان أُحلت واستبدلت ببركة. الناموس القديم يعرض حالة واحدة فقط للبركة والتطويب، أما الإنجيل من ناحية أخرى فيعلن في وقت واحد ثمانية تطويبات. "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار". سعيد ومطوّب هو الرجل، ليس أي رجل، بل الرجل الذي وصل إلى كمال رجولة المسيح: "الذي لم يسلك في مشورة الأشرار".

هنا، والكتاب المقدس يصف الثلاث طرق المعتادة لإرتكاب الخطية: نفكر بأفكار شريرة، نرتكب المعصية بالفعل، أو نُعلّم الآخرين ما هو شرير. أولاً، نفكر بأفكار شريرة، ثم بعد أن نكون قد فكرنا ملياً فيها، نحوّل هذا الفكر إلى فعل. وعندما نرتكب المعصية، نُضاعف الإثم من خلال تعليم الآخرين لكي يفعلوا ما فعلناه نحن. "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار" - الذي لا يفكر بالشر - "وفي طريق الخطاة لم يقف" - الذي لا يفعل الشر - "وفي مجلس المستهزئين لم يجلس" - الذي لم يعلم الآخرين الإثم. فهو لم يعاشر الوقحين، وفي طريق الخطاة لم يقف.

من الصعب على الإنسان بأن لا يخطئ. في الحقيقة، يقول يوحنا الإنجيلي: "إن قلنا إنه ليس لنا خطية نُضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1 يو 1: 8). فإذا كنا نخطئ جميعنا، فما معنى الكلمات "وفي طريق الخطاة لم يقف"؟ إذا كنا نأثم جميعنا، فليس هناك شخص واحد سعيد - ماعدا بالطبع، ذاك الذي لم يخطيء. لكننا كلنا نخطئ، كل واحد منّا بدون إستثناء، وبالتالي لا أحد مُطوّب.

على أية حال، لنتأمل في ما يقوله الكتاب المقدس: "وفي طريق الخطاة لم يقف". لم يقل الكتاب: "طوبى للرجل الذي لم يخطئ"، بل بالأحرى، "طوبى للرجل الذي لم يستمر في الخطية". "وفي طريق الخطاة لم يقف". بالأمس إرتكبت خطية وبالتالي لست سعيداً، لكن إذا لم أبقى في حالة الخطية بل تراجعت وإنسحبت من الخطية، أصير سعيداً مرة أخرى. "وفي مجلس المستهزئين لم يجلس". لماذا يقول "يجلس" في هذا الآية ويقول "يقف" في الآية السابقة؟ لهذا السبب: كما أن ذلك الذي "لم يقف" – أي لا يستمر - في الخطية يكون سعيداً، كذلك أيضاً ذلك الذي "لم يجلس" – أي لا يستمر - في التعليم الشرير يكون سعيداً. كما تروا، الثلاثة أمور المُقررة للتطويب تتضمن عدم التفكير بالشر وعدم المواظبة على الشر وعدم تعليم الشر. هذا حقاً ما يقوله عاموس النبي: "هكذا قال الرب. بسبب معاصي .. الثلاث وبسبب الأربع لا أرجع عن حكمي" (عا 1، 2). علاوة على ذلك، يقول هذا الشيء نفسه ثمان مرات. هذا هو ما يقوله في الحقيقة: لقد تفكرتم في الشر وصفحت عنكم، لقد فعلتم الشر وغفرت لكم، لم تتوبوا عن خطاياكم وعذرتكم، فهل وجب عليكم أيضاً أن تعلموا الشر للأخرين؟ إلا أن الرب من أجل ثلاثة ذنوب وأربعة، لا يغضب إلى الدهر (إش 16:57).

"لكن في ناموس الرب مسرّته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً". كاتب المزامير قد ذكر قبلاً ثلاثة أمور لا يجب أن يفعلها الإنسان: إتباع مشورة الأشرار، والوقوف في طريق الخطاة، والجلوس في مجلس المستهزئين. ثلاثة أمور لا يجب أن نفعلها، لكن هناك أيضاً أمرين يجب أن نعمل بهما، لأنه غير كافي بالنسبة لنا أن نتجنب الشر ما لم نسعى أيضاً نحو الخير. "لكن في ناموس الرب مسرته". المزمور لا يقول "يخاف الناموس" بل يُسّر ويبتهج بالناموس. هناك الكثير من الناس يطيعون الناموس بدافع الخوف، لكن الخوف كدافع للعمل ليس بدافع جدير بالتقدير. "لكن في ناموس الرب مسرته"، فهو يطيع وصايا الرب بإخلاص من كل القلب.

"وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً". الكلمات المجردة لا تستطيع أن تُعبِّر بشكل كافي لما يحمله العقل من أفكار. "في ناموس الرب مسرته". قد يقول أحد شخص ما: "ها أنا أريد أن أطيع ناموس الله، ونظراً لأني أريد ذلك فأنا سعيد ومطوَّب". لكن لندقق في كلام المزمور. ليس من الكافي أن تريد ناموس الله، بل يجب أن تتأمل في ناموس الله نهاراً وليلاً. "يلهج نهاراً وليلاً". قد يعترض شخص آخر قائلاً: "هذا كثير جداً على الطبيعة البشرية أن تتحمله، فالإنسان يجب أن يمشي، ويشرب، ويأكل، وينام، ويؤدي كل ضرورات الحياة. كيف إذن يمكنه التأمل في ناموس الله نهاراً وليلاً، وخاصة أن الرسول يقول: "صلوا بلا إنقطاع" (1 تس 5: 17)؟ كيف يمكنني الصلاة أثناء الوقت الذي أنام فيه؟

التأمل في ناموس الله لا يشمل القراءة فقط بل العمل أيضاً، كما قال الرسول في موضع آخر: "فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1 كو 10: 31). حتى لو مجرد إمتدت يدّي بالعطاء والصدقة، فأنا ألهج في ناموس الله. إذا زرت المرضى، قدماي تلهج في ناموس الله، إذا فعلت الوصايا الواجبة فأنا أصلي بكامل جسمي بينما يصلي الآخرين بشفاههم فقط. كان اليهود حقاً يصلون بشفاههم، أما صلواتنا نحن فأفعال. إذاً، هناك ثلاثة أمور لا يجب أن نفعلها، وهناك أمرين يجب أن نفعلهما. ما هي المكافأة التي يستحقها من يطيع تلك الوصايا؟

"فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياة، التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل". هناك العديد من الناس يفسرون هذه الكلمات ببساطة لتعني: كما أن الشجرة إذا زرعت بجانب المياة، تتجذر في الأرض وتنمو، ولا تذبل لأن لها رطوبة كافية، هكذا وبطريقة مشابهة، الشخص الذي يتأمل ويلهج في ناموس الله سوف يستمد قوة وحياة من هذا التأمل. هذا هو تفسيرهم البسيط. لكننا سوف نقارن الروحيات بالروحيات (1 كو 13:2)، ونقرأ عن شجرة الحياة المزروعة في الفردوس، شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر. شجرة الحياة هذه أنبتها الله في جنة عدن، وكان نهر يخرج من عدن وينقسم لأربعة فروع (تك 2). وبالمثل نقرأ في أمثال سليمان عن الحكمة - والمسيح هو قوة الله وحكمة الله (1 كو 1) - إذ يقول: "هي شجرة حياة لممسكيها" (أم 18:3)، متكلماً عن الحكمة. والآن، إذا كانت الحكمة هي شجرة الحياة ، و"الحكمة" ذاتها هي حقاً شخص المسيح، فالإنسان المطوّب والمقدس يقارن بهذه الشجرة أي يقارن بالحكمة. وبناء على ذلك، الإنسان البار المبارك الذي لم يسلك في مشورة الأشرار يشبه شجرة مغروسة عند مجاري المياة، أي يشبه المسيح، بما أنه "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات" (أف 6:2)، هكذا سوف نملك مع المسيح في السماء، ولكون هذه الشجرة قد غرست في جنة عدن، نحن كلنا قد غرسنا هناك أيضاً معه.

"فيكون كشجرة مغروسة على مجاري المياة". في الحقيقة، أنه من هذا المنبع الرئيسي تستمد كل الأنهار إرتفاعها. "التي تعطي ثمرها في أوانه". هذه الشجرة لا تعطي ثمرها في كل موسم، لكن في الموسم المناسب. هذه هي الشجرة التي لا تعطي ثمرها في الوقت الحاضر، بل في المستقبل، أي في يوم الدينونة. هذه هي الشجرة التي تحمل الأزهار الآن، وتطلع البراعم الآن، وتنتج الثمار للمستقبل. هذه الشجرة تنتج ثماراً وتنتج أيضاً أوراقاً. الثمار التي تحملها تحتوي على معاني كلمات الكتاب المقدس، أما الأوراق فتحتوي على الكلمات فقط. الثمار هي في المعاني، والأوراق هي في الكلمات. لهذا السبب، من يقرأ الكتاب المقدس، إذا قرأ بشكل حرفي كما يقرأ اليهود، يفهم الكلمات فقط، أما إذا قرأ ببصيرة روحية حقيقية يجمع الثمار.

"وورقها لا يذبل". أوراق هذه الشجرة ليست بأي حال من الأحوال عديم الفائدة، لأنه حتى إذا فهم الشخص الأسفار المقدسة فقط كتاريخ، يحصل على شيء مفيد لنفسه. نحن نقرأ في سفر رؤيا يوحنا: "وأراني نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كالبلور خارجاً من عرش الله والخروف. في وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة" (رؤ 22: 1). هذا يعني أن الشجرة كانت على كلا الجانبين من ضفتي النهر. "تصنع اثنتى عشرة ثمرةً. وتعطي كل شهر ثمرها. وورق الشجرة لشفاء الأمم" (رؤ 22: 2).

يقول: رأيت .. عرش الله. نحن نؤمن بالآب والابن والروح القدس، هذا حقيقي، فهو ثالوث، إلا أن العرش والسلطان الملوكي واحد. رأيت عرش واحد، ورأيت خروف قائم في وسط العرش. (رؤ 6:5). هذا يشير إلى تجسد المخلص، فالكتاب يقول: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو 29:1). "وأراني نهراً صافيا من ماء حياة لامعاً كالبلور خارجاً من عرش الله" (رؤ 22). لاحظ أن نهر النعم والبركات يتدفق من وسط العرش.
ذلك النهر لا يتدفق من العرش ما لم يكن الخروف قائماً أمامه (رؤ 17:7)، لأنه ما لم نؤمن بتجسد المسيح فلن نتلقى تلك النعم والبركات.

يقول الرائي، أن هناك شجرة واحدة عالية موضوعة. لم يقل أشجار بل فقط شجرة واحدة. إذا كانت شجرة واحدة، فكيف تكون على كلا الجانبين من النهر؟ إذا كان قد قال: رأيت أشجاراً، لكان من المحتمل أن تكون بعض الأشجار على جانب، وأشجار أخرى على الجانب الأخر. إلا أنه في الحقيقة، يقول أن هناك شجرة واحدة على كلا الجانبين من النهر. هناك نهر واحد يخرج من عرش الله - نعمة الروح القدس - وهذه النعمة نجدها في نهر الكتاب المقدس. علاوة على ذلك، هذا النهر له ضفتين، العهد القديم والعهد الجديد، والشجرة المغروسة على كلا الجانبين هي المسيح. أثناء السنة، هذه الشجرة تنتج اثنتى عشرة ثمرة، واحدة لكل شهر، لكننا غير قادرين على إستقبال الثمار إلا من خلال الرسل. إذا إقترب أحد من الشجرة من خلال الرسل، يتلقى الثمار ويجمعها من الأسفار المقدسة، ويُدرك المعاني الإلهية الكامنة داخل الكلمات. إذاً، إن إقترب أحد من الشجرة من خلال الرسل يجمع ثمارها، كما قلنا. في الواقع، إذا كان الشخص لا يستطيع بعد أن يقطف الثمرة، هذا لأنه مازال ضعيفاً جداً، فهو لم يصبح بعد تلميذاً، بل ينتمي إلى العامة، فهو دخيل، وغريب من الأمم. ولأنه لا يستطيع أن يقطف الثمرة، يقطف فقط الكلمات، أي ورق الشجرة الذي لشفاء الأمم، لأنه مكتوب: "وورق الشجرة الذي لشفاء الأمم" (رؤ 22). فالشخص المنتمي للأمم، الذي ليس بعد تلميذاً للسيد، الذي ليس إلا واحد من الحشد، يجمع فقط الأوراق من الشجرة، ويتلقى من الكتاب المقدس مجرد كلمات بسيطة للعلاج والشفاء. إذاً، يقول الكتاب: "وورق الشجرة لشفاء الأمم"، وبكلمات أخرى: الأوراق هي أدوية. لماذا استطردنا في سفر الرؤيا؟ بسبب تلك الشجرة التي "تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح".

لقد ناقشنا سعادة الرجل البار، وتكلمنا عن مكافأتهن بسبب الأمور الثلاثة التي لم يفعلها والأمرين الذي فعلهما، وتمت مقارنته بالشجرة التي في جنة عدن، أي بالمسيح، الذي هو "الحكمة". قلنا كل هذا عن الإنسان البار.

والآن، دعونا نرى ما يقوله المزمور عن الخاطئ، الرجل الشرير. "ليس كذلك الأشرار". تلك المكافآت الجامعة التي يتلقاها الإنسان البار، لا يحصل عليها الإنسان الشرير. "ليس كذلك الأشرار". صاحب المزمور لم يقل "ليس كذلك الخطاة"، لأنه إذا كان قد قال "خطاة"، لكنا كلنا قد حُرمنا من المكافأة. هناك فرق بين الأشرار والخطاة. الأشرار ينكرون الله كلية، أما الخاطي فيعترف بالله، وعلى الرغم من إعترافه يرتكب الخطية. "ليس كذلك الأشرار". في بعض المخطوطات، كلمة "ليس كذلك" مكررة: "ليس كذلك الأشرار، ليس كذلك"، لكن في النص العبري ليس هناك مثل هذا التكرار.

تكلمنا عن الإنسان البار وتشابهه مع الشجرة المغروسة على مجاري المياة. أما بالنسبة للإنسان الشرير، فالأمر يكون على النقيض تماماً. فكما أن الإنسان البار يقارن بالشجرة، يقارن الإنسان الشرير بالتراب. البار يقارن بشجرة جنة عدن، أما الشرير فيقارن بالتراب الذي يذريه الريح. التراب قد يأتي من التربة، لكنه توقف على أن يكون تربة. الأشرار "كالهباء الذي تذريه الريح". يقول السفر المقدس أن الإنسان الشرير سيكون حزيناً جداً، لدرجة أنه لا يكون حتى غبار من الأرض. لا يبدو للغبار أن له أي مادة، لكن بطبيعة الحال له نوع ما من الوجود. ليس له جسم ما، إلا إن ما لديه من مادة تكون بمثابة عقاب. هو متفرق هنا وهناك، وليس في مكان واحد أبداً. حيثما الريح تذريه، هناك تنفق كامل قوته. هذا الأمر صحيح بالنسبة للإنسان الشرير. عندما ينكر الله، ينقاد بالوهم والضلال حيثما يرسله نَفَس الشيطان.

بما أننا قد ناقشنا بالتفصيل البار وتشابهه مع الشجرة، وأيضاً الشرير وتشابهه، وتكلمنا عن العالم الحاضر، يبقى لنا أن نتامل في الحياة المستقبلية والأبدية. إذاً، "لا يقوم الأشرار في الدينونة، ولا الخطاة في جماعة الأبرار". في إنجيل يوحنا، نقرأ: "الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين" (يو 18:3). من إذاً باقي للدينونة إذا كان الذي يؤمن لا يدان، ومن لا يؤمن قد تمت إدانته؟ من سيُحكم عليه في يوم الدينونة؟

لنتأمل الشخص الذي يقف بين المؤمن وغير المؤمن، الشخص الذي سوف يدان. "الذي يؤمن به لا يدان". الآن، ذلك الذي يؤمن لا يخطئ، ذلك الذي يؤمن بحسب الحق لا يخطئ، ذلك الذي له إيمان حقيقي لا يخطئ. في الحقيقة، عندما نرتكب الخطية، يكون ذهننا يترنّح في الإيمان. عندما نترك المجال للغضب، عندما ننتقص من سمعة آخر، عندما نقتل، عندما نستسلم للزنى، أين يكون إيماننا؟ لذا فالآية "الذي يؤمن به لا يدان"، تعني ليس هناك حاجة للحكم عليه، فهو بالفعل مبارك. أيضاً "من لا يؤمن فقد دين"، فهو بالفعل محكوم عليه بالعقاب. من الذي سيُحكَّم عليه إذاً؟ الإنسان الذي يؤمن بالفعل، إلا أنه يقدم على الخطية. من لديه خير، ولديه شر أيضاً، أي الذي يفعل أفعالاً حسنة عندما يكون إيمانه قوي، ويرتكب الخطية عندما يكون إيمانه ضعيف.

ليتنا عند هذه النقطة نتأمل الكلمات: "لذلك لا يقوم الأشرار في الدينوينة". لن يقوموا لكي يدانوا، لأنهم محكوم عليهم بالفعل. "الذي لا يؤمن قد دين". "ولا الخطاة في جماعة الأيرار". لا يقول المزمور أن الخطاة لن يقوموا ثانية، بل لن يقوموا في مجمع الصديقين. فهم لا يستحقوا الوقوف مع أولئك الذين لن يدانوا. يقول الرب، لو كانوا قد آمنوا بي، لقاموا مع أولئك الذين ليس لهم دينونة.

"لأن الرب يعلم طريق الأبرار، أما طريق الأشرار فتباد". "لأن الرب يعلم طريق الأبرار"، لماذا الأمر رائع وإستثنائي جداً أن يعرف الرب طريق الأبرار؟ يقول الكتاب المقدس عن ذلك، أن الله يعرف أولئك الذي يتكرم ويعرفهم (خاصته) (يو 10: 14). أما بالنسبة للأشرار فيقول: "أني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 23:7). بالإضافة إلى القول: "كل من يعترف بي أعترف أنا أيضاً به" (مت 10). "لأن الرب يعرف طريق الأبرار". الله لا يعرف الإنسان الشرير أما الإنسان البار فيعرفه.

نقرأ في سفر التكوين أن آدم أخطأ، عندما إلتفت إلى الحية عوضاً عن الله، عندما اختبئ من وجه الله، جاء الله إلى الجنة، "يتمشى في الجنة عند نسيم النهار" (تك 3). لننتبه لما يقوله الكتاب المقدس. بحث الله عن آدم، ليس في منتصف النهار بل في المساء. آدم كان قد فقد نور الشمس، لأن وقت الظهيرة الذي له قد عبر. وكان نحو المساء، عندما كان الله يتمشى، لأنه بقدر ما يتعلق الأمر بالخاطئ، الله لا يقف بل يمشي. كان يعلم أن آدم في الجنة، وكان يدرك جيداً ما حدث، لكن لكون آدم قد أخطأ، الله لا يعرفه. لذا قال له: "آدم، أين أنت؟".

سمعنا بما فيه الكفاية عن كيف لا يعرف الله الخاطئ، وعلينا الآن أن نتأمل كيف أن الإنسان البار معروف بواسطته. قال الله لأبرام: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك" (تك 12). وفقاً لكلام الله، جاء إبرام إلى فلسطين. كان في ممرا وتغرب طويلاً في غرار. عندما ولد ابنه إسحق، نال الوعد: "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 18:22). أخذ إسحق وقدمه لله، وصوت من السماء سُمع قائلاً: "لا تمد يدك إلى الغلام". حالاً، وفي اللحظة ذاتها التي قدَّم فيها ابنه، ماذا قال الله لإبرآم؟ "الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني" (تك 12:22). أيها الرب، هل عرفت إبرآم فقط الآن؟ مع من كنت تتواصل وتتحدث كل هذه المدة الطويلة؟ لكون إبرآم كان له مثل هذا الإيمان العظيم في تقديم ابنه محرقة، بدأ الله بمعرفته إعتباراً لذلك. لماذا قلنا هذا؟ لأنه مكتوب: "الرب يعرف طريق الأبرار". دعنا نستخدم عبارة أخرى: المسيح هو الطريق والحق والحياة (يو 6:14)، إذاً دعونا نسير في المسيح، وعندئذ الله الآب سوف يعرف طريقنا.

"أما طريق الأشرار فتباد". هذا لا يعني أن الأشرار سوف يبادون. إذا تابوا وقدموا أعمال التوبة، هم أيضاً سوف يخلصون. عندما كان الرسول بولس يضطهد المسيح وكنيسته، كان رجلاً شريراً. إذا كان الأشرار يبادون، فليس هناك فرصة لتوبتهم. المزمور لا يقول أن الأشرار سيبادون بل طريق الأشرار يباد، أي أن الشر سوف يُباد. ليس الأشرار بل الشر ذاته، ليس الإنسان الذي كان شريراً سوف يُباد، بل بينما هو يتوب يختفي الشر ويباد.

يتنازل الله لكي يوصينا بأن هناك ثلاثة أمور يجب أن لا نفعلها، وأمرين يجب أن نفعلهما. دعونا نكون الإنسان البار المشبه بشجرة الحياة، ولا نكون الإنسان الشرير المشبه بالهباء. ليتنا لا نكون من الأشرار الذين لا يقوموا في جماعة الأبرار. ولنحذر أن طريق الشر قد يباد، ولنبارك الله الذي له المجد إلى الأبد آمين.

رد مع اقتباس
قديم 07 - 02 - 2015, 03:08 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: قصر المزامير _ جيروم

مشاركة جميلة جدا
ربنا يبارك حياتك
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
احفظ المزامير تحفظك المزامير سفر المزامير مسموع
عناوين المزامير قديمة قدم المزامير نفسها
عين الروح _ جيروم
قلب الملك _ جيروم
جيروم...هو صديق جون هٍس


الساعة الآن 09:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024