منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 06 - 04 - 2013, 12:44 PM
الصورة الرمزية Ramez5
 
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Ramez5 متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 50
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 41,750

كنت غائبة عن بلدي منذ خمسة سنوات وكم كنت شديدة الحرص والاهتمام بالاتصال بأمي وأبى وأخواتي بل بكل أحبائي: أفرح بسماع صوتهم، واطمئن عليهم، وعلى كل ما يدور في حياتهم. وعندما كانت تأخذني الدنيا بكل قسوتها ومشاكلها وتبعدني عنهم كنت ألوم نفسي. هكذا أخذت تدور عجلة الزمن وأنا لا أدرى ماذا فات من عمري أو حتى من عمر الذين أحبهم وحرمتني الدنيا من رؤيتهم.

كم كانت لهفة أمي علي عندما كنت أكلمها عبر التليفون، وكم قالت لي" تعالى كفاية غربة حتى ترى أمك وأبوك قبل فوات الأوان"... في الحقيقة كنت أغضب من أمي وأقول في نفسي: "كيف تقول لي هذا الكلام القاسي الذي يجرحني؟ ألا تعرف أن شوقي لهم أكثر شوقهم إليّ؟"

مرت السنوات تلو السنوات دون أن أستطيع السفر. وفى يوم ركبت التاكسي، وبغير المعتاد، وجدت السائق يتكلم العربية وكان يستمع إلى أغنية فايزه أحمد "ست الحبايب يا حبيبة"، فشعرت بأني طفلة ملهوفة على حضن أمها وقررت أن أسافر فوراً.

أخذت في إعداد برنامج للخروج مع أمي إلى المصيف وإلى أجمل الأماكن، كي نفرح ونتمتع ونضحك ونلعب ونتسلى ونحضن الدنيا، مثلما كنّا بالماضي، بل وأكثر. فأنا الآن لدى الكثير من المال الذي يستطيع أن يحقق كل شيء... سوف نفرح معاً ونجلس معاً ونتحدث عن كل الأشياء وكل الأشخاص... سنتحدث بدون انقطاع فأنا مشتاقة الى رائحة أكلها، الذى كان له قوة السحر في نفسى، والذى حرمت منه منذ زمن طويل...

ذهبت الى المتجر لاشترى كل أنواع الهدايا التي كانت تحبها أمي وتفرح بها عندما كنا صغار، نعم سوف اشترى شريط "ست الحبايب يا حبيبة"، وسوف أعلى الراديو وأحضن أمي ...

مر الوقت وسافرت، وعند وصولي الى المطار أخذت التاكسي لكي لا يعلم أحد بوصولي... فقد قال لي زوجي: "لا تعلمي أحد بوصولك حتى تذهبي الى شقتك وتضعي شنطتك وستكون مفاجأة وفرحة كبيرة جدا عندما تراك أمك"....

كان الطريق مزدحم وطويل ... وقد استوقف انتباهي منظر غريب... وسط كل هذا الزحام سيدة عجوزة تنظر إليّ وتسير بمحاذاة السيارة بمفردها.. فأوقفت السائق، دون رغبة منه، واقتربت من هذه السيدة، وطلبت منها أن تأتى معي لكى أوصلها الى أخر الطريق أو إلى أي مكان تريد أن تذهب اليه... فكرت لعدة ثواني، ووافقت مجبرة من ضعفها وقلة حيلتها...

ركبت معي، برغم نظرات السائق المغتاظ الرافض، كنت أنا سعيدة وفرحه بدخول هذه السيدة وجلوسها معي... فكم كنت مشتاقة الى رؤية أي حد من أرضي مصر، لكى أتحدث معه عن أحوال البلد وأنا أعلم طيبة المصريين، وطبيعتهم السمحة، خاصة الناس الكبار وتلقائيتهم في الحديث...

بداية، حاولت وبطريقة ذكية أن أفتح معها الحديث، بعدما رحبت بها، وسألتها: "الى أين أنت ذاهبة؟"

فأجابت: "سوف أنزل في أخر الطريق لأنى لي بيت جديد سكنته منذ عدة أيام"...

وسألتها: "وماذا أتى بك الى هنا؟"

فقالت، وهى تتأمل في وجهى: "لي حبيبة غالية على نفسى وقلبي وقد كانت غائبة وحضرت لأستقبلها ولأتمتع بها... ولكي أودعها"...

فسألتها: "لماذا لم تأتى هي لكى توفر عليك هذا المشوار الطويل؟"

فردت: "هي لا تعرف مكاني الآن.. وربما لأني أكثر شوقا عليها وأكثر لهفة منها"...

سألتها: "هل لديك أبناء؟"

فقالت: "نعم لدى العديد من الأبناء والبنات".

فقلت لها: "وهل يعيشون معك؟"

فقالت: "أنا الآن أسكن في بيتي الجديد بمفردي... لا أحد معي".

فسألتها: "كيف لأولادك وبناتك أن يتركوك تعيشي بعيدة عنهم... يا لهم من قساة القلوب".

فقالت: "إن أبنائي أحن من الحنان ولكن هذه إرادة الله أقوى منى ومنهم فأولادي هم المثل الأعلى والقدوة الصالحة للجميع".

سألت: "وماذا عن دراستهم؟"

فردت: "كلهم حصلوا على أعلى درجات العلم والتفوق وكلهم في عملهم مرموقين متفوقين ومحبوبين من الجميع".

فقلت لها: "واضح أنك كنتي أما شديدة في تربيتك لأولادك!".

فقالت: "نعم كنت شديدة وحريصة عليهم وعلى مستقبلهم وعلى تربيتهم الدينية والأخلاقية... فالأم يجب أن تعوِّد أبنائها على قسوة الحياة حتى عندما يكبروا ويصبحوا رجال ونساء يستطيعوا أن يركبوا جواد الحياة ويقودوا حياتهم بسلام… فالأم هي المعلمة الأولى في حياة أولادها فإن كانت ضعيفة ومتهاونة وغير حنونة، وغير قادرة أو غير واعية الى الوزنة التي أعطاها الله لها، والتي ستعطي عنها حساب أمام الله... يا ابنتي إن الله كان يستطيع أن يصنع من الحجارة أبناء له ولكن حكمته تجلت في أنه جعل لكل واحد أب وأم كي يكونوا له قدوة ومثل أعلى في حياته... فهم الجذور التي تروى وتغذى الفروع بكل المبادئ والقيم".

كنتُ أشعر أنني أمام معلمة وليس أمام سيدة مسنة... عجوزة ولكنها تتحلى بالعزوبة الحديث وقوة الخبرة وثبات الرأي... فبدأت أقص لها قصتي وأني ذاهبة لأمي ولأبي الآن... وأني احضرت لهما الكثير من الهدايا لكى أعوضهم عن غيابي عنهم طيلة هذه المدة...

فنظرت إليَّ وتأملت وجهى وابتسمت ابتسامة ساخرة وقالت: "من قال لك يا ابنتي انه يوجد شيء في الدنيا يعوض الأم عن غياب أولادها أي ضناها، أغلى ما تملك... فلا شيء يمكن أن يعوض رعاية الأم والأب في شيخوختهم، لا شيء يعوض عطف أولادهم عليهم ... فإذا كان لديكِ طفل صغير وأحضرتِ له كل هدايا العالم بدون وجودك بجواره فلا شيء سيعوضه غيابك... فالأم والأب في كبرهم مثل طفل يحتاج الى الرعاية والعطف وأن يرى أبنائه وهم بجواره يرعوه ويهتمون به ويفرحون بوجودهم في وسطهم... ألا تعلمي يا ابنتي أن الأم هي المخلوق الوحيد في العالم التي لا يعوضه أي شيء عن غياب أولادها فهي دائما متلهفة عليهم حتى وإن كانوا أمام عينيها هكذا أوصى الله الوالدين أن يحبوا أبنائهم أكثر من أنفسهم... يا ابنتي الأم هي الوحيدة التي تحب بلا مقابل وترعى الضعيف أكثر من القوي، وتعطى دون أن تأخذ، وتجمع دون أن تفرق، وتسأل على الغائب حتى يأتي، وتسهر على المريض دون مقابل... إن كل سعادتها في تعطى لا تأخذ... إنها ترى النور عبر أعين ... هذه هي فرحة الأم أن ترى وتسمع ابناءها"...

فقلت لها: "وماذا عن الأب؟".

فقالت: "ايضا الأب يحب ويعطي ويشتاق ولكنه دائما يفكر بعقله وليس بقلبه مثل الأم"...

فقلت: "أفهم من كلامك أنني تسببت لأمي في الكثير من الآم والضيق؟"

فقالت: "مهما فعلتي يا ابنتي تأكدي أن قلب أمك يدعُ لك ويسامحك... فهو قلب لا يملك غير الحب... وتأكدي من أن قلب أمك الآن يدعو لكى ويراكِ حتى وإن كنتِ بعيدة عنه".

تسألت وقلت في نفسى مَن هذه السيدة التي تملك القدرة على تحليل الأمور؟... وشعرت بالحاجة لسؤالها: "من أنتِ؟ وماذا كان وراء جلوسك معي في السيارة؟"... وكنت في داخلي أشعر هذه السيدة الرائعة والحكيمة منذ سنين وسنين... وفكرت في نفسى أن ادعوها الى بيتي حتى أشبع منها ومن كلامها الممتع... لكنها قاطعتني، وكأنها قرأت أفكاري، وقال: "أشكرك يا ابنتي على كرم أخلاقك فقد انتهى الطريق ويجب أن اتركك"...

فقلت لها: "عجيب!، مضى الطريق بسرعة ولم نشعر حتى بالوقت!"

فقالت لي: "إن الطريق يا ابنتي يشبه مشوار الحياة فنحن نقول ان الحياة طويلة ونأمل أن تطول ولكن تأتى النهاية مسرعة"... ثم ودعتني السيدة في أدب شديد ... وتمنيت لها طول العمر والسلامة... وذهبت...

وبعد دقائق وصلت أنا ايضا لبيتي ووضعت شنطي في عجلة شديدة وذهبت مسرعة الى بيت أبى... وقت رأيت، في البلكونة، طرحة وفستان أمي على الحبال يرفرفان مثل طائر جميل يغرد ويرفرف ويرحب بمن أتوا من بعيد... هرولت مسرعة الى الباب وكان منفتحا... وكانت المفاجأة الكبرى... بل اللطمة الكبيرة... البيت ممتلئ بالناس، وبأخواتي وزوجاتهم... وأبى منحنى وهو في حالة سيئة جدا... والكل يبكى ومرتدي الأسود فصرخت بأعلى صوتي وقلت: "أين أمي؟"...

وجاءت الاجابة على لسان الكل: "الباقية في حياتك وحياة أخواتك لقد رحلت أمك منذ ثلاثة أيام وهى لا تردد غير اسمك وتقول لا تقولوا أي شيء لأختكم لأنها في غربة وذلك سوف يؤثر عليها"...

فأظلمت الدنيا في عيني ... واخذت أحضن أبى وأبكى على صدره... وذهبت مسرعة الى غرفة نوم أمي وأحضرت الفستان والطرحة وظللت أصرخ: "أين أنتِ يا حبيبتي؟ فكل مجد العالم لا يساوى حضنك وفرحة لقائك بي.. فأنا الآن هنا، فهل تسمعيني يا حبيبتي؟... لماذا لم تنتظريني حتى أراكِ وأشبع منكِ؟؟؟... ونظرت إلى صورة أمي المعلقة على الحائط، وكأنها كانت تناديني وتكلمني... فوجدت انها تشبه السيدة المسنة التي قابلتني في الطريق... وسمعت داخلي صوت أمي وهى تقول: "لقد استقبلتك في طريق الوصول وتكلمت معك وقلت لك كل ما كان بقلبي".... فعرفت انها هي التي كانت في انتظاري بالمطار... وتذكر عتابها عندما كنتُ أكلمها في التليفون...

ثم تجمعنا أنا وكل إخوتي واخذنا نتحدث عنها... وكم كانت لنا أما عظيمة تضيء لكل واحد منا الطريق... وتذكرنا كلماتها عندما كانت تقول لنا: "أنظروا في عين محبيكم حتى تشبعوا من بعضكم لأننا لا نعلم متى نفترق أو نفارق بعضنا"... وتذكرنا كم عملتْ على إرضائنا وكم ضحت بكل صحتها من أجلنا... فقد كانت حقا القلب الكبير الذي يسع ويسامح ويقترب من الكل...

كم غريب هو الزمان، إنه أكبر عدو للإنسان، يشقيه ويشغله في أمور غريبة وتافهة ويجعله ينسى وينشغل عن الأمور وعن الأشخاص الغالين..

كنت أشعر بأن قلبي سيتوقف من كثرة الحزن والألم والبكاء... إلى أن سمعت بداخلي مجددا صوت أمي: "كفاكِ حزنا وبكاءً، فأنا لست ببعيدة عنك... إني أشعر بكل ما تشعرين... قومي وأمسكي أوراقك وقلمك وأكتبي لكل ابن وابنة غارق في أمور الحياة ومتناسيا لأحبائه...

فقررت أن أكتب قصتي الحقيقية هذه لتكون نصيحة لك... لقد غيرتني أمي... لقد علمتني في حياتها وفي مماتها أن قصور العالم لا يمكن أن تعطي دفئا كدفء حضن الأحباء... لقد علمتني أمي أن اهتم بالأشياء دون أن أنسى الأشخاص...

ولكم كل الشكر.


من تأليف انجيل بولس جرس
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
إنّ أحزان مريم استمرّت لفترة أطول من أحزان يسوع
ميزان الله يختلف عن ميزان البشر 🙏
ميزان الله يختلف عن ميزان البشر
العيد بدونك أحزان !
مَن ينقذنى؟


الساعة الآن 08:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024